كل عائلة توت.. بوادي الملوك

TT

ما زالت أصداء المؤتمر الصحافي الذي عُقد بالمتحف المصري في الأسبوع الماضي تتوالى ويتحدث عنها ليس فقط العلماء والباحثون في مجال المصريات، بل وكل عشاق الحضارة الفرعونية في العالم كله خصوصا أننا نتحدث عن اكتشافات علمية جديدة تكشف الكثير عن الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون» وعائلته. كلنا يعرف أن هناك مومياوات كثيرة غير معروفة وتُنسب إلى أفراد من العائلة الملكية، وقد كتبنا الأسبوع الماضي عن مومياء الملك «أخناتون» التي أثبتت أن الملك شخص طبيعي لا يعاني أي تشوهات كما تُظهِره تماثيله. أما الكشف الثاني الهام فهو مومياء الملكة «تي»، وهي المرأة القوية المتسلطة التي تزوجت الملك «أمنحتب الثالث» أو «باشا الفراعنة»، وجعلته يصنع لها تماثيل في مثل حجم الملك نفسه، بل وشيّد لها قصرا عامرا في موضع يسمى الملقطا في غرب مدينة الأقصر، وبه بحيرة صناعية لكي تتنزه الملكة فيها بقاربها الذي صنعه خصيصا لها. ومعروف أن الملكة «تي» بسلطانها وقوتها استطاعت أن تحصل على مرسوم ملكي سمح لأبيها «يويا» وأمها «تويا» بأن يُدفنا في وادي الملوك، وهو المكان المخصص لمقابر الملوك فقط، وقد تم الكشف عن المقبرة شبه كاملة واستطعنا الحصول على عينات حمض نووي من مومياء «يويا» و«تويا». وبعد ذلك قمنا بعمل دراسات وأخذ عينات الحمض النووي «DNA» من بعض المومياوات الملكية غير المعروفة والتي ترجع إلى الأسرة الثامنة عشرة من الدولة الحديثة. وهناك نحو سبع مومياوات قمنا بدراستها منها مومياوان عُثر عليهما داخل خبيئة المومياوات بمقبرة الملك «أمنحتب الثاني» «KV35» إحداهما تعرف باسم «السيدة العجوز»، وقد ثبت بأدلة كاملة أن هذه المومياء هي مومياء الملكة «تي» آنفة الذكر، أما المومياء الأخرى التي كانت تُعرف باسم «السيدة الشابة» فإن التحاليل أثبتت وجود علاقة أمومة بينها وبين مومياء الملكة «تي» وأنها ابنة الملك «أمنحتب الثالث»، وأم الملك «توت عنخ آمون»، وبالتالي تصبح زوجة للملك «أخناتون»، وعلى الرغم من تحديد هوية هذه المومياء وعائلتها فإن اسمها يظل لغزا في انتظار أدلة جديدة. ومن هذه النتائج يتضح أن الملك «أمنحتب الثالث» والملكة «تي» هما جد وجدة الملك «توت عنخ آمون» سواء من ناحية الأم أو من ناحية الأب، وهما مومياء السيدة الشابة «KV35»، ومومياء الملك «أخناتون» «KV55»، ويثبت ذلك الكشف أن كلا من الملكتين «نفرتيتي» و«كيا» زوجتا الملك «أخناتون» ليس لهما علاقة بالفرعون الذهبي «توت»، وأقول إن أم الملك الذهبي لا يمكن أن تكون «نفرتيتي» أو «كيا» (الزوجة الأجنبية لـ«أمنحتب» الثالث ثم «أخناتون»)، بل هي واحدة من خمس بنات لـ«أمنحتب» الثالث، ولذلك يُحتمل أن يكون «أخناتون» قد تزوج شقيقته لكي ينجب ولدا يتولى الحكم من بعده.

لا تزال الدراسة مستمرة، وهناك مجال كبير لاكتشافات أكثر، منها على سبيل المثال مومياء الجنين «A»، ومومياء الجنين «B»، وهما لأنثيين وُجدتا مدفونتين داخل مقبرة الملك، وقد أكدت التحاليل أنهما ابنتا الملك «توت عنخ آمون»، وهذا سوف يساعد على كشف مومياء أمهم «عنخ أس أمون».. ولا يزال لدينا الكثير من المومياوات التي قد يثبت أن إحداها هي مومياء الملكة «نفرتيتي».

وقد تم توثيق هذه الاكتشافات العلمية ونشرها في دورية «JAMA»، وهي المجلة الطبية الأميركية التي تقبل نشر الدراسات العلمية بعد توثيقها ومراجعتها من قِبل علماء متخصصين يعملون على مراجعة الأبحاث العلمية التي تقدم للنشر.

أصبحنا نعرف الكثير عن عائلة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون» الذي شغل العالم مرتين: أولا عند الكشف عن كنوز مقبرته، ومرة أخرى عند تحديد هوية عائلته.