عسكر وشوكولاته

TT

أعطي ألف سبب لانهيار الاتحاد السوفياتي، ربما كانت كلها صحيحة. قيل إن الحريات والنوافذ التي فتحها ميخائيل غورباتشوف حولت الرياح إلى عاصفة. وربما كانت الحقيقة أن غورباتشوف هو الذي حاول إنقاذ الاتحاد من الصدأ والتآكل الذي أصابه في عهد سلفه، ليونيد بريجنيف. لقد أصبح الفارق هائلا، أيام الأخير، بين الناس التي تقف بالطوابير من أجل قبضة من الأرز، والزعيم الذي تتدلى عقود ألماس على صدر ابنته. هكذا كانت أيضا حال دنغ كسياو بنغ في الصين. هكذا كان الحال في هافانا وبرلين الشرقية وبيونغ يانغ. كانت الناس تعاني من سوء التغذية وتسمن من أكل البطاطا، والنافذون يسمنون من تناول الكافيار. وقد اتبعت جميع هذه الأنظمة عادة قديمة: دلل العسكر وجوع المدنيين. وكان «دلال» العسكر مضحكا في المقاييس الأخرى. فعندما قررت حكومة بولندا إرسال «القوات الخاصة» لاقتحام مقر حركة «تضامن» المعارضة عام 1981, وزعت على كل جندي مشارك لوحا من الشوكولاته! من النوع الرديء. ولكن الأنظمة لا تثق حتى بأثر مثل هذه المغريات. فعندما هاجم صدام حسين إيران ثم الكويت، كان قادته العسكريون يزرعون خلفهم الألغام، خوفا من فرار الجنود غير الموثوق بولائهم. وهذه أيضا عادة سوفياتية قديمة ظهرت أكثر ما ظهرت في أفغانستان. وظهرت على نحو لا يصدق في الأيام الأولى لسقوط بغداد أمام الاحتلال الأميركي.

ثمة فريقان لا يثقان بالمدنيين ويخشيان أن يطلبا منهم التعاون في الأزمات: الأنظمة والعسكريون. لذلك كان هناك شبه هائل، لمن يذكر، بين سقوط بغداد وسقوط نيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا. وقف المدنيون، كأنما هناك كلمة سر، مع القوى المعارضة، كأنهم ينتظرون اللحظة المناسبة. بل في حالات كثيرة تقف الناس، للوهلة الأولى، إلى جانب المحتل، على أن تتدبر أمرها معه فيما بعد.

لم يكن سادة الأنظمة يعيشون «مثل القياصرة» فحسب بل كانوا يتعمدون إذلال العامة بجعلها تعيش في ظروف بائسة. اتبع جوليوس نيريري هذا التقليد في تانزانيا عندما أمر بتجويع الناس في «المزارع الاشتراكية» إلا إذا عملوا. وفي الصين تم الفصل بين الأزواج والزوجات والأبناء في معسكرات مختلفة من أجل ضرب فكرة العائلة وإلغاء ثقافة التضامن، إلا من خلال الحزب. وفي المقابل كانت الطبقة النافذة تتمتع بجميع الميزات الممكنة.

لذلك غابت في ظل تلك الأنظمة إبداعات الفنون في الآداب. وحيثما ظهرت إنما ظهرت في الآداب المعارضة، كما في موسكو أو براغ، حيث تحول المسرحي المعارض فاتسلاف هافل من كاتب «صعلوك» إلى رئيس للدولة الجديدة. وأما في روسيا فقد كان جميع الكتاب الكبار، من بوريس باسترناك إلى سولجنتسين، من محاربي الشيوعية.