فتاوى!

TT

من نتبع؟ من نرفض؟ من نكفّر؟ من نقتل؟ من نفسّق؟ من نبدّع؟ ومن نقاطع؟ أسئلة حادة لا بد أنها دارت داخل بعض الرؤوس التي أصابها «بازار» الفتاوى بالدوار، فما هطل على رؤوسنا - في هذا العصر - من فتاوى قد يفوق عددا مجمل الفتاوى التي صدرت طوال التاريخ الإسلامي، إنها سلسلة طويلة لا تنتهي، ولا تتوقف، تلاحقك أينما كنت: أمام التلفاز، أو في مواجهة الحاسوب، أو عبر المذياع، أو كنت تتصفح بريدك الإلكتروني، فكل وسائل العصر الحديث غدت تقطر فتاوى، وأنت لا تدري من المؤهل لهذه المهمة، ومن الذي تزبب قبل أن يحصرم!

كانت الفتوى أمرا يتحرج العلماء في إطلاقه إلا بعد تيقن، وتثبّت، ومشورة إن اقتضى الأمر، فكان لها - أي الفتوى - في عصور سابقة أثرها وتأثيرها على سلوكيات الناس وقناعاتهم، لكن كثرة فتاوى عصرنا أوجدت فريقين رئيسيين: أحدهما ينظر إلى الفتوى على أنها مجرد رأي لا يلزم أحدا، وآخر أصبح مقيدا لها، فلا يفعل شيئا من الأمور المباحة، والمعلومة بالضرورة، إلا بعد أن يسأل عنها عالما، واثنين، وثلاثة. ووقفة قصيرة أمام بعض البرامج التلفزيونية التي تستضيف العلماء تكفي لأن ندرك أن بعض أسئلة المتصلين تستهدف استدراج العلماء لتضيق ما وسعته الشريعة، فالقاعدة النفسية لدى شريحة من المتصلين غدت تميل إلى التزمت، وتتشكك في مشروعية الكثير من مباهج الحياة المباحة.

وللمرأة من فتاوى عصرنا نصيب يفوق كل القضايا الأخرى، وكأنها مخلوق قدم لتوه من كوكب آخر، علينا أن نسيّجه بسياج الشك حتى نتمكن من كامل اكتشافه، فالمرأة التي ظلت طويلا خارج دائرة الاهتمام تجد نفسها اليوم في مواجهة «تسونامي» الجدل الحاد الذي يدور حولها، والذي يحاصرها عبر منتديات الإنترنت، والبريد الإلكتروني، والصحف، ورسائل الهاتف الجوال، وغيرها من وسائل العصر، ويمكن للمرء أن يستشعر حجم الإرباك الذي سببناه لها، فهي منذ سنوات تقف - في الغالب - على مقاعد «المتفرجين» في انتظار ما يسفر عنه الجدل الذكوري حول مسائل وقضايا تتعلق بمصيرها، وترتبط بحياتها وشؤونها.

وأخيرا: لو ترك باب الفتاوى مفتوحا على مصراعيه، واستمر صمت العلماء الحقيقيين عن الأخطاء الممارسة في ساحة الفتوى، فإننا سندخل نفقا مظلما ومربكا وكئيبا، وسنكون مصدر دهشة وتندر العالم من حولنا، فدعونا ننظم شؤون الفتوى، أو الباب الذي ظل يأتينا منه الريح لعلنا نستريح.

[email protected]