هل إيران قوية إلى هذا الحد؟

TT

لا أدري هل ما أقرأه وأسمعه في الصحف وفي قنوات التلفزيون عن قوة إيران ودورها في دول الشرق الأوسط، وبخاصة في دول الجوار صحيح أم أن فيه مبالغة متعمدة؟.

فعندما يصرح السياسي العراقي صالح المطلك، بأن استبعاده وظافر العاني من المشاركة في الانتخابات العراقية هو هدية لإيران أقف مندهشا لدور إيران في العراق، وقدرتها على تحديد قضايا مصيرية في هذا البلد، ومنها من يجب أن يكون مرشحا ومن يجب أن يكون مستبعدا من العملية الانتخابية. المشكلة أن السياسيين العراقيين عندما يعجزون عن حل مشكلاتهم في الداخل العراقي يحاولون إلقاء اللوم على الآخرين.

وتصريحات الساسة في مختلف الدول العربية والشرق أوسطية الذين يرون أن لإيران دورا رئيسيا في كل ما يحدث في المنطقه، وخاصة في العراق ولبنان وأفغانستان واليمن ودول أخرى، تجعلني أتساءل كيف يكون لإيران هذا الدور المؤثر والمصيري، ولا يتحدث أي من السياسيين الإيرانيين عن ذلك، على الرغم من أن ذلك سيكون مدعاة فخر للسياسيين الذين تمكنوا، حسب اعتراف السياسيين في هذه البلدان، من لعب دور رئيسي في كل هذه الدول.

لربما كانت تصريحات هؤلاء الساسة عن دور إيران المصيري في المنطقة قد أقنعت الرئيس الإيراني بضرورة أن يكون لإيران دور مؤثر، ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم أجمع، حيث صرح مؤخرا بانه يريد أن يشارك في إدارة العالم بعد فشل هيمنة الولايات المتحدة على العالم، وأن إدارة عالمنا هذا تتطلب ساسة شجعانا لا ينتمون الي الشرق أو الغرب، ويمكنهم أن يطرحوا حلولا ناجعة تخلص العالم من مشكلاته.

أعتقد أن هذا التضخيم المتعمد لدور إيران في المنطقه له أهداف متعددة منها:

- تحذير حكام وشعوب المنطقة من قدرة إيران ومن إمكانية أن يكون لها دور مستقبلي في المنطقة، وضرورة التصدي لها ولدورها المحتمل وتخويف الشعوب من هذا البعبع الذي يريد تدمير منطقة الخليج.

- تأليب الولايات المتحدة والغرب ضد إيران والعمل على تحضير ضربة عسكرية أميركية أو غربية أو إسرائيلية ضد مفاعلاتها النووية ومراكزها العسكرية والبنى التحتية، بحجة أنها تريد شن حرب على دول المنطقة، ومنها إسرائيل.

- زيادة الترسانه العسكرية لدول المنطقة بحجة الخطر الإيراني وتعزيز الوجود العسكري الأميركي في دول الخليج.

- العمل على منع أي تقارب إيراني عربي مستقبلا، وإظهار إيران بأنها هي العدو الحقيقي لشعوب المنطقة، وليس إسرائيل، التي تعمل ضد الشعوب العربية والإسلامية، والتي تظهر نفسها وكأنها تريد تخليص العرب والمسلمين من إيران.

صحيح أن لإيران دورا هاما في منطقة الشرق الأوسط حسب اعترافات الأميركيين والغربيين ولكن علينا أن نتساءل: من أين جاءت إيران بهذا الدور؟ هل جاءت بهذا الدور إثر تهديدها لدول المنطقة أم أن هذا الدور جاء بسبب قدرتها التكنولوجية والنووية، التي انتجها علماؤها وخبراؤها الشباب بعد أكثر من ثلاثين عاما من فرض عقوبات اقتصادية مستمرة عليها، وهي الآن تواجه أيضا تهديدات أميركية وغربية بفرض سلسلة جديدة من العقوبات عليها، إذا لم توقف تخصيب اليورانيوم ولم تسلم كل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبه 5/3 في المائة إليها.

من المدهش أن بعض الساسة في الدول المجاورة لإيران يهاجمون النظام الإيراني ويثيرون المخاوف لدى شعوب المنطقة من خطر موهوم لا حقيقة له، على الرغم من أن المسؤولين الإيرانيين يعلنون باستمرار أنهم لا يستهدفون من وراء تخصيب اليورانيوم إلا استخدامه لأغراض سلمية، ومن أجل تشغيل مفاعل طهران للأبحاث.

المدهش أيضا أن هؤلاء الساسة كانوا، حتى أسابيع قليلة، يراهنون على سقوط النظام في إيران ويضخمون قدرة المعارضين، ويزفون البشرى لشعوب المنطقة بأن النظام الإسلامي في إيران سيسقط من غير رجعة ويتخلص العالم ودول المنطقة من هذا النظام، ولكن آمال هؤلاء الساسة قد تبخرت بين ليلة وضحاها. كثير من الإيرانيين يتساءلون ماذا فعلت إيران ضد شعوب المنطقة حتى يقف السياسيون فيها يحرضون الولايات المتحدة وإسرائيل لمهاجمة المفاعلات النووية والمراكز العسكرية الإيرانية؟ هل إن موقف إيران من الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني يستدعي كل هذا العداء ضد إيران؟.

الكثير من المعارضين الإيرانيين طرحوا خلال مظاهرات أعقبت الانتخابات الرئاسية شعارات منها: «لا غزة ولا لبنان» وكانوا يعترضون بصورة أو بأخرى على موقف الحكومة منذ بداية الثورة وحتى الآن من دعم القضية الفلسطينية والقضية اللبنانية، وكأن لسان حالهم يقول لماذا ندعم الفلسطينيين واللبنانيين وفي المقابل هم والعرب يهاجموننا كل يوم ويدعون ضدنا ويريدون تدمير قدراتنا النووية والعسكرية؟.

الإيرانيون يتساءلون أيضا ماذا لو تعرضت إيران الي هجوم أميركي أو إسرائيلي؟ وماذا سيكون موقف العرب وشعوب المنطقة من هذا الهجوم؟ هل إنهم سيفرحون أم سيحزنون أم إنهم سيقفون متفرجين؟ وهل سيكون هذا الهجوم في صالح شعوب المنطقة أم سيكون ضد مصالحهم؟ هل إن إيران قوية تقف بجانبهم خير من إيران ضعيفة لا حول لها ولا قوة؟ أعتقد جازما أن إيران بسبب إعلامها الضعيف لم تتمكن حتى الآن من شرح مواقفها لدى الرأي العام العربي والإسلامي، ومدى دعمها للقضايا العربية والإسلامية، وهي تتعرض منذ ثورتها إلى هجوم إعلامي مريع، هذا الإعلام يقلب الحقائق ويصور إيران وشعبها أعداء للعرب والمسلمين.

لا أعتقد أن أي عربي أو مسلم يسمع بالتقدم الذي أحرزه الإيرانيون في المجال النووي، وخصوصا تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، أو اختبار الصواريخ وصنع الاقمار الصناعية ولا يفرح لهذه الانباء السارة. من الطبيعي أن الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة أخذوا يشككون في القدرات النووية الإيرانية، لأنهم يدركون جيدا مدى خطورتها على مصالحهم المستقبلية، وإذا ما استمر الإيرانيون في تحقيق الإنجازات العلمية فسيكون دورهم كبيرا في منطقة الشرق الأوسط مستقبلا، وهذا ما يزعجهم ويقض من مضاجعهم.

* كاتب وصحافي إيراني.