معرض الكتاب وقياس الحرارة

TT

من المشاهد المثيرة كل سنة، بأكثر من عاصمة عربية، معارض الكتب.

في معارض الكتب وما يرافقها من أنشطة ثقافية تصبح الفرصة سانحة لسفور المواجهات بين التيارات المختلفة في المجتمع، وكالعادة القسمة هي بين التيار الليبرالي والإسلامي، أو المدني والديني، أو العلماني والأصولي، أو المستنير والظلامي، أو التقدمي والماضوي، سمه ما شئت، أو اختر اسما جديدا، فليس مهما الاسم بل المسمى.

في الكويت قامت أزمات بسبب معارض الكتب، ووجدنا نواب برلمان يدخلون على خط المعركة، بسبب كتاب تم فسحه هنا أو هناك، وتشتعل الصحافة بالردود والسجالات، فأنصار الحرية يهاجمون الحكومة لأنها خضعت لضغوط المتشددين إن استجابت لمطالب التيار المحافظ، والتيار المحافظ أو الأصولي، يهاجم الحكومة ويهددها بالويل والثبور وعظائم الأمور إن هي لم تمنع هذا الكتاب أو تقفل هذا الجناح أو تحول بين هذا المحاضر أو ذاك وبين الالتقاء بالجمهور.

في الكويت، وفي الرياض، وفي القاهرة، كل سنة يتكرر هذا «الترفيه» الموسمي، بما يناسب حالة وظروف كل دولة ومجتمع، ففي النهاية لكل شيخ طريقته.

هل هذا الأمر سيء؟ لست أظن ذلك، بشرط أن يتم توفير الحد الأدنى لنجاح هذه الفعاليات، وهذا الحد الأدنى يعني وجود أجنحة «حقيقية» لدور النشر، وفعاليات «فعلية» من محاضرات وندوات ولقاءات جانبية، وليس مجرد «رص» كتب موجودة فعلا للمتلقي من قبل، أو محاضرات تحمل عناوين لا يهتم بها إلا المحاضر ومعه اثنان من أصدقائه، ورابعهم العامل الذي ينتظر الانتهاء من هذه المحاضرة لإطفاء الأنوار وحمل الكراسي!

معرض كتاب يعني وجود عناوين كتب جديدة، يعني ارتفاع هامش الحرية، حتى تكون له ميزة عن بقية أيام السنة، يعني أن يكون «موسما» للكتب والمحاضرات والندوات، لكل الأطياف.

يجب أن نسجل أن معرض الكتاب في الرياض يظل هو الأقوى في العالم العربي من ناحية تسويق الكتب وازدهار العناوين الجديدة، ونرى كثيرا من المؤلفين يترقب حلول موعد المعرض لطرح ما لديهم من إنتاج وإصدارات، مراهنا على نسبة الإقبال الكبيرة من قبل القارئ السعودي. وهذا شيء مبهج، ومن اجل ذلك نجد المعرض يتحول في جانب منه إلى حلبة استعراض بين تيارات تتصارع على ميدان الفكر، أو هكذا يبدو لها الأمر، باعتبار المعرض قمة النشاط للمعروض الفكري، فمن الطبيعي أن يبرد كل تيار أظفاره للمواجهة السجالية، ويجب ألا يكون هذا شيئا مزعجا لعشاق السكينة والهدوء الخالد، فلا غضاضة أن يختلف الناس في أي مجتمع وبالتالي تكثر التيارات. هذا من طبيعة الأمور ولو لم يحصل لكان المجتمع عبارة عن حجارة صماء، ولكن يظل ذلك محكوما بعدم تعد تيار على آخر، أو فرد على آخر أو جهة على أخرى، فالجميع تحت سقف النظام والقانون والدولة.

في معرض الكتاب ما هو أهم من الكتاب.. أنه فيه معرض سنوي لمعدلات التغيير الفكري في المجتمع، المعرض هو «ترمومتور» حراري لقياس ضغط المجتمع كل عام، وكل عام والمعرض بخير.

[email protected]