الغضب.. جمرة في جوفك

TT

حتى رئيس وزراء بريطانيا - الدولة العظمى - لم يسلم من آفة الغضب. فقد اتهمه عدد كبير من الموظفين بأنه فظّ في التعامل معهم وأنه لا يملك نفسه عند الغضب. الموظفون لم يكتفوا بإبداء امتعاضهم من الرئيس غوردن براون، بل توجهوا إلى وسائل الإعلام البريطانية للشكوى، حيث نشرت صحيفة «الأوبزيرفر» أن كتابا سيصدر قريبا يؤكد «أن براون هدد العاملين معه وشتمهم بل حتى أمسكهم من ثيابهم بغضب أكثر من مرة!». أما براون فكان يرد على الزوبعة المثارة ضده بأنها ليس لها أساس من الصحة وأنه «لم يضرب أحدا في حياته». والحمد لله، أنه اعترف صراحة بأنه لم يضرب أحدا، فلو أن كل مدير استشاط غضبا رفع يده على مرؤوسيه لصارت أروقة العمل «حلبة مصارعة» الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود!

أيا كانت خشونة رد فعل براون فهو لم يفعل ما ينافي الفطرة الإنسانية، وهو اللجوء إلى سلوك الغضب الفطري حينما يتعرض المرء لمثير خارجي يزعجه، لكن المشكلة تكمن في طريقة رد الفعل، حيث إن بعضنا لا يضبط سلوكه ويتحول إلى مخلوق شرس. أما البعض الآخر فقد عَوّد نفسه أثناء الغضب على أن لا يشتم أو يسب أو يضرب، الأمر الذي يساعده على تفادي ردود الفعل غير المسؤولة في المستقبل لأنه غير متعود أصلا على الرد العنيف على أتفه الأسباب.

هل من حل آخر؟ سألت أستاذ علم النفس ومؤلف كتاب «كيف نفهم الغضب ونتخلص منه؟» الدكتور عثمان العصفور، فأجاب بأن «العلم الحديث أظهر أن هرمون الأدرينالين الذي يغذي الانفعالات في جسم الإنسان يكون في ذروته حينما يكون الشخص واقفا، وينخفض إلى النصف تقريبا حينما يجلس، ويكاد يتلاشى حينما يستلقي الإنسان على الأرض». وهو ما جعله يقول: «أدعو جميع الناس إذا ما شعروا بالغضب أن يغيروا من وضعية الجسم بأسرع وقت ممكن وأن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم» واستشهد بالحديث النبوي الشريف «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه غضبه وإلا فليضطجع»! ويشير الدكتور العصفور إلى أن أفضل طريقة للتعامل مع الغضب هي بتحويل الانتباه إلى أمر آخر أو التزام السكوت إن كان ذلك ممكنا، حتى تهدأ أعصاب الإنسان. «فالصمت يمنع تدفع الهرمونات في جسم الإنسان، الأمر الذي يوقف التفاعل الداخلي» بحسب الدكتور العصفور.

ويكون ضرر الغضب كبيرا حينما يُفرغ الموظف ما في جعبته في رسالة «مكتوبة» كالإيميل مثلا، لأنه سوف يفاجأ بعد أن تهدأ أعصابه لاحقا بأنه كان قاسيا جدا، وربما نابيا في ألفاظه مع الآخرين. وهناك من فقد وظيفته لارتكابه هذا الخطأ لأن ما «كتبه» من إهانة بحق زميله يعد إدانة صريحة ضده. لذا يفضل أن لا يكتب المرء شيئا عندما تنتابه نوبات الغضب القاهرة، ويؤجل رد فعله إلى حين آخر، بعد أن يخرج نفسه من حالة الغضب من خلال التحدث إلى صديق عزيز أو الوضوء أو الصلاة وغيرها.

إحدى أفضل الطرق العملية الناجحة التي جربتها للسيطرة على الغضب هي بأن يعاهد المرء نفسه بأن لا يغضب لمدة يوم، ثم أسبوع، ثم شهر، فيزيد وهلم جرا. بهذه الطريقة يخفف الإنسان من حدة ردود الفعل ثم يمكنه السيطرة عليها. ويمكن أن نكافئ أنفسنا بعد اجتياز المدة بنجاح.

الغضب محمود حينما يذود المرء به عن تراب وطنه، أو يدافع عن محارمه أو حينما تمتهن كرامته، ولكن في الحالات الأخرى فإن الغضب ليس سوى جمرة في جوف ابن آدم تدمر نفسيته وسمعته ومزاجه العام.

[email protected]