طرد الطيارين الروس من إيران؟

TT

أمهلت طهران الطيارين الروس العاملين في طيرانها التجاري شهرين استعداداً لمغادرة إيران، وبالطبع فإن طرد الطيارين الروس من إيران مؤشر على تأزم العلاقات بين البلدين، خاصة بعدما عبرت طهران عن إحباطها لأن موسكو لم تنقل إليها نظام الدفاع الصاروخي الذي يتيح لها حماية منشآتها النووية ضد أي هجوم عسكري محتمل، كما أنه مؤشر على توتر طهران من موقف موسكو تجاه العقوبات الدولية المحتملة على إيران، لكن القصة ليست هنا بالطبع.

فيوم أمس أعلن وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي أن بلاده بدأت في إنتاج صاروخ جديد قصير المدى مضاد للسفن قادر على «تدمير أهداف من 3 آلاف طن». وهذا التصريح يأتي ضمن سلسلة من تصريحات إيرانية أخرى جميعها تشير إلى أن طهران بدأت تغزو الفضاء، ناهيك عن إنتاج السفن، والغواصات. والسؤال هنا إذا كانت إيران فعلا قادرة على فعل كل ذلك فلماذا تحرص إذاً على نظام الدفاع الصاروخي الروسي؟ بل وكيف تكون إيران متطورة لهذه الدرجة بينما الطيارون الذين يشغلون طائراتها التجارية روس، خصوصاً أنه من الاستحالة أصلا مقارنة الطيران الإيراني، مثلا، بالطيران القطري، أخذاً بالحسبان الفرق في حجم البلدين، ناهيك عن أن الطائرات التجارية الإيرانية، الروسية الصنع، باتت تتساقط مثل الذباب؟

الأمر الآخر هنا هو ماذا لو قامت موسكو، مثلا، بالرد على طرد طهران لطياريها بإيقاف التعامل مع إيران، سواء بتزويدها بالطائرات التجارية، أو كل ما له علاقة بها، ناهيك عن أن مفاعل بوشهر الإيراني يعد بيد الروس تماماً، فحينها كيف ستتصرف إيران؟

المراد قوله هنا هو أننا أمام رعونة سياسية، وإدارية، من قبل طهران تشبه ما مر على منطقتنا في ستينات القرن المنصرم؛ فالنظام الإيراني يتحدث وكأنه ند للدول الصناعية، حيث تتحدث طهران عن البر والبحر، والجو، بل والفضاء، بينما تعاني من إدارة شركة طيران تجارية، فيما نجد أن القيادة الإيرانية تدفع البلاد كلها لمواجهة مع العالم بأسره.

قبل ثلاث سنوات، تقريباً، وفي زيارة لموسكو دار حديث بيني وبين مسؤول روسي أثناء حفل عشاء رسمي عن إيران، فقال لي المسؤول الروسي «هل ستتفاجأ لو سقط النظام الإيراني داخلياً، وبأسباب داخلية»؟ إجابتي كانت أنه لا يوجد مؤشرات لما تقول، فكان رده «راقب الوضع جيداً، فقد تفاجأون مثلما فوجئ العالم بسقوط الاتحاد السوفياتي السابق». وما زلت أتذكر سؤاله جيداً، خصوصاً بعد الانتخابات الإيرانية الرئاسية الأخيرة.

ولذا فإنه مثلما اعتبر طرد الطيارين الروس من طهران مؤشراً على أزمة دبلوماسية بين إيران وروسيا، فيجب أن ينظر إليه أيضاً على أنه مؤشر على حجم الأزمة الإيرانية سواء كان سياسياً، أو اقتصادياً، وحتى على مستوى المصداقية، فقد يفاجأ العالم كله، في حال دارت رحى المعركة العسكرية، بأن قوة إيران التي يعلن عنها يومياً ما هي إلا على غرار صواريخ الفوتو شوب الشهيرة. نقول هذا عطفاً على تاريخ من الكذب شهدته، وتشهده منطقتنا، إلى اليوم.

[email protected]