سادة الكون!

TT

جميعهم أحبوا ألقاب التعظيم: حاكم روما، كان القيصر، لأن من حكم روما حكم كثيرا من العالم. الإسكندر أقام أول إمبراطورية ومات في الثانية والثلاثين، وأصبح الإسكندر الكبير. جنكيز خان، فارسية، تعني سيد الكون. العالم 1877 حضر 84 ألف شخص تحت مخيم ضخم في دلهي حفل إعلان الملكة فيكتوريا إمبراطورة الهند. تلك كانت بريطانيا العظمى، التي لا تغيب عن أطيانها الشمس، كيفما دارت الأرض على هواها. بريطانيا بنت إمبراطوريتها بالقوة البحرية وجنكيز خان حصد إمبراطوريته برا. وبحرا قامت إمبراطوريات بلجيكا وفرنسا وهولندا والبرتغال وإسبانيا. وصلت إسبانيا إلى آخر الأرض في الأرجنتين، ووصلت فرنسا إلى الفيتنام، ووصلت البرتغال إلى البرازيل، ووصلت هولندا إلى إندونيسيا. وأرسلت أميركا أساطيلها تطرد إسبانيا من الفيلبين وكوبا. ثم جاء نفر من بضعة شبان طردوها من كوبا. بنى الفينيقيون قرطاج وخرج منها هنيبعل يطلب رأس القيصر في روما، فارتدت روما ومحت قرطاج إلا من بقية آثار جميلة في ظاهر تونس العاصمة.

عاشت الإمبراطورية العثمانية نحو خمسة قرون ثم تداعت وهوت. وبعد الحرب العالمية الثانية تهاوت الإمبراطورية البريطانية، وبدأت الشمس تغيب من الهند إلى عدن، وقامت إمبراطوريتان تتقاسمان أطيان بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا وبلجيكا: واحدة ترفع العلم الرأسمالي، وثانية ترفع المنجل والمطرقة. العامل والفلاح. وأصبحا معا «سيد الكون». ليس فقط في الأرض والمحيطات بل في الفضاء والأجرام والطريق إلى المريخ. وبدا أن العالم سيبقى هكذا ألف عام. الثور الرأسمالي لن يستطيع أن يهزم الثور الشيوعي، والثور الشيوعي يكفيه أنه يحفر بقرنيه حظيرة الثور الرأسمالي. أذل الشيوعي قرون خصمه في كوبا، فناطحة هذا في تشيكوسلوفاكيا. وبدا أنه عالم تنطح فيه الثيران ولا تموت. ثم دخل السوفياتي من ممر خيبر، الذي جاء منه جنكيزخان وتيمورلنك بك. وبعد قليل تهاوى، وحلت عليه لعنة الممر. وفرح الثور الأميركي فرحا عظيما. لقد أصبح هو «سيد الكون»، سيد الأرض والفضاء والبحار والعلوم والكنوز. ووضع جورج بوش الأب ريشة طاووس زرقاء خلف أذنه وريشة خضراء في شعره، وراح يتمشى على سطح الكوكب، حديقته الخاصة. ثم حمل ابنه الريش عبر ممر خيبر. وحلت اللعنة من جديد.

تسقط الإمبراطوريات دائما في غرورها. ويسقط الأباطرة عندما يصدقون أنهم أسياد الكون. وما هو عمر في مقياس الدهور، وما هو رجل في مقياس الأكوان. وما هي – الإمبراطوريات - سوى جزء من هذا الكون، وحال تحول، على ما قال المتنبي في الطريق إلى نجد. لعل أول كتاب يتعين على الإنسان أن يقرأه في حياة الأمم هو الفصول الأخيرة لا الفصول الأولى. هكذا يذهب متواضعا في الأرض خاشعا لسيد واحد على الأكوان.