الصراع على الجامعة العربية

TT

كما تجلى في قمة سرت، تمحور الصراع الأساسي على الجامعة العربية؛ مكانها ورئاستها ونشاطاتها. وهنا قد يستغرب البعض كيف يمكن أن توصف الجامعة بأنها منظمة سياسية عديمة القيمة، وعاجزة، ومع هذا تتقاتل الحكومات الرئيسية من أجل الإمساك بهذه المؤسسة العجوز التي عمرها أقدم من الأمم المتحدة، لماذا؟

مؤتمر سرت حالة كلاسيكية في ألبوم المعارك بين المعسكرات العربية، باستثناء أن التركيز جاء على الجامعة العربية هذه المرة، مما يعني أن الجميع يشعر بأن المنطقة مقبلة على أزمات كبيرة، وهنا يرتفع ثمن ودور الجامعة.

صحيح أن الجامعة العربية لم تقد في تاريخها عملية لتحرير فلسطين، أو تحرير الكويت، أو مواجهة الإرهاب، وكان دورها ثانويا في الحروب الأهلية، سواء في لبنان أو جنوب السودان أو الصومال، ولم تحل أي اشتباك عربي، مثل نزاع الصحراء في المغرب العربي، أو حتى التعامل مع الأزمة العراقية قبل وأثناء وبعد الغزو الأميركي.

لكن الجامعة العربية عندما تضع ختمها على قرار تمنحه الشرعية. فهي التي أعطت الشرعية لتحرير الكويت من احتلال قوات صدام، وما كان سهلا أبدا استقبال تلك الجيوش الدولية وشن الحرب وتثبيت آل الصباح كحكام شرعيين من دون أن تمهر عليه الجامعة العربية. وهي التي منحت الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين بعد أن كانت عدة دول وقوى تتنازع الصلاحيات على توجيه هذا الشعب المشرد وإدارة موارده واستخدام مأساته. ثم تكررت الحالة عندما اعترفت الجامعة العربية بالسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس وبأنها هي السلطة الشرعية لا حماس، التي قامت بانقلابها وطردت السلطة من غزة. وبسبب الجامعة صارت قيادة حماس في مأزق كبير لأنه من دون اعتراف الجامعة العربية لم يعد يستقبلون إلا كتنظيم اسمه حماس فقط.

كل يريد السيطرة على ختم الجامعة الرسمي حتى يمهره على برنامجه السياسي ويديره باتجاه ريحه. عمليا محاولات اليوم هدفها خطف الجامعة العربية. ولا تزال ماثلة في الأذهان صورة الاجتماع الشهير الذي ضم القادة العرب بعد احتلال الكويت وكان في القاعة الأمين العام للجامعة حينها الشاذلي القليبي يعد الأصوات التي مع الكويت والأخرى التي مع العراق، وهناك من يحاول منعه من عد الأصوات عندما اتضح لهم أن أغلبية الدول العربية مستعدة لتأييد الحق الكويتي وإعلان الحرب دوليا على صدام. هذه الصورة يمكن أن تتكرر في الفترة المقبلة في حال قيام اضطرابات تشارك فيها الدول، أو تندلع مواجهات مع الإيرانيين، أو تقرر حماس ومن في صفها ضرب السلطة الفلسطينية لتعطيل المفاوضات المحتملة. هنا يصبح ختم الجامعة العربية ثمينا في منح الشرعية.

هذا ما يدفع الصف المعتدل من العرب إلى الإصرار على الإبقاء على الجامعة في مصر لأنها أكبر الدول العربية ودائما ذات مواقف معتدلة، والأفضل في الزمن المضطرب الحالي أن يبقى الأمين العام مصريا حتى لا تقع الجامعة ضحية لو حدث انشقاق بين دول المقر ودولة الأمين العام. ومهما حاولت الأطراف العربية الأخرى فك زواج مصر من الجامعة فلن تنجح، آخذين في الاعتبار أن أغلبية الدول العربية لا تزال في صف مصر، أو بعبارة أدق؛ أن المعسكر المصري لا يزال المهيمن في الساحة على الرغم من ما يقال عن ضعفه واستكانته وخسائره.

لقد جرب العرب نقل الجامعة من القاهرة إلى تونس، وكل من يذكر تلك الحقبة يعرف جيدا كم أساءت إلى المنطقة والجامعة وتركت العالم العربي ممزقا باسم الوحدة ضد موقف مصر عندما وقعت على اتفاق كامب ديفيد. كان ذلك مشروع صدام حسين الذي أجبر بقية الدول على السير وراءه، وكانت النتيجة مدمرة، حتى للعراق نفسه، الذي احتاج إلى الدعم المصري عندما وقعت الحرب مع إيران، لكن الجامعة كانت حينها قد عطلت في تونس.

[email protected]