هل المواطن العربي متمرد؟

TT

في افتتاح قمة سرت العربية، قال الزعيم الليبي، وأمام 14 زعيما عربيا، إن المواطن العربي «متمرد ومتربص»، وإنه «ينتظر الأفعال، والشارع العربي شبع من الكلام، وسمع كلاما كثيرا، وأنا شخصيا تحدثت خلال أربعين عاما في كل شيء والمواطنون العرب ينتظرون منا نحن قادة العرب الأفعال وليس الخطب»!. فهل المواطن العربي فعلا متمرد ومتربص؟

أول ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ كلمة معمر القذافي هو العبارة الشهيرة لعادل إمام في مسرحية (شاهد ما شفش حاجة) «دانا غلبان»! وليس المجال هنا للفكاهة، لكن لا دليل على أن المواطن العربي، وأيا كانت جنسيته، متمرد ومتربص. صحيح أنه محبط، وناقم، وهذا أمر طبيعي، فللمواطن العربي أحلام مثله مثل أي إنسان في الدنيا، لكن السؤال هو: من السبب في إحباط المواطن العربي؟

أعتقد أن السبب الرئيسي هو السياسي العربي نفسه، الذي رفع سقف الآمال لدى المواطن العربي، ونسج له صورة وردية، وأشبعه بالخطابة، والصوت العالي، منذ زمان (من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر) و(ملايين الشعب تدق الكعب يا أهلا بالمعارك)، ولكي لا نذهب بعيدا فسنطرح مثالا بسيطا هنا.

ففي قمة سرت، وأثناء حديث القذافي عن تمرد المواطن العربي طالب الزعيم الليبي القمة بـ«عدم الالتزام بقاعدة الإجماع» بالعمل العربي المشترك، بينما ما زال التاريخ يذكرنا بالخلاف الشهير بقمة القاهرة 1990 أثناء احتلال العراق للكويت، وكيف غضب القذافي يومها لأن قرار دعوة القوات الأجنبية، الذي اتخذه بكل حكمة وشجاعة الراحل الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله، لضمان تحرير الكويت، قد استصدر بالأغلبية وليس بالإجماع، الذي يطالب القذافي اليوم بإلغائه بعد قرابة عشرين عاما، فكم من الاحتقان، والغضب، الذي تولد لدى المواطن العربي منذ تلك القمة، وماذا لو صارح الزعماء شعوبهم بالحقائق، والواقع يومها، وساعدوا الرأي العام على تفهم واقعية القرار بدلا من الجدال الذي شوش على الشعوب العربية، لنعود اليوم مطالبين بإلغاء الإجماع؟ بل وماذا لو أن العرب اتخذوا قرارا حكيما في دعم الراحل أنور السادات، رحمه الله، الذي حرر أرضه، وحمى بلاده من أن تتحول إلى لعبة سياسية بيد تجار قضايانا، بدلا من اتهامه بخرق الإجماع العربي، الذي نطالب اليوم بإلغائه؟

يقول لي دبلوماسي عربي إن العرب اقتنعوا بالنسبية والتدرج في كل شيء، باستثناء السياسة. فالعرب، مثلا، مقتنعون بأن الأعمال التجارية بحاجة إلى وقت لتحقيق عائد ربحي، بل ويعتبرونها بديهية، لكن في السياسة فإنهم يريدون كل شيء بطريقة «كن فيكون»، أي إنهم يريدون، مثلا، مفاوضات تبدأ اليوم، وتنتهي غدا، على أن يروا نتائجها في اليوم الثالث!

ويقول الدبلوماسي إن من الأسباب وراء ذلك «القمم العربية، والخطب الرنانة، والوعود الخيالية، وغياب العقلانية السياسية». وبالطبع يضاف لكل ذلك غياب الوعي السياسي. ولذا فإن المواطن العربي ليس متمردا ومتربصا، لكنه في حاجة لسياسي يتحلى بمصداقية، وشفافية، وبحاجة لمزيد من المصارحة، والواقعية، وليس الشعارات الفضفاضة التي تحول المغامرة لبطولة، والانتحار إلى شجاعة.

[email protected]