هل يعني صعود الصين تراجع أميركا؟

TT

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أخيرا استطلاعا حول تراجع النفوذ الأميركي وتنامي النفوذ الصيني في العالم.

الاستطلاع الذي أجرته الصحيفة بالتعاون مع شبكة تلفزيون الـ«إيه بي سي»، يشير إلى اعتقاد نسبة 41% من الأميركيين أن القرن الحادي والعشرين سيكون «قرنا صينيا من جهة الاقتصاد والشؤون الدولية». في حين يعتقد 40% أن القرن سيكون أميركيا. وعند سؤالهم عن الدولة التي يعتقدون أنها ستهيمن على الشؤون الدولية، أشارت نسبة 43% من المستطلعين إلى اعتقادها بهيمنة الصين مقابل 38% تعتقد بهيمنة الولايات المتحدة.

وتعكس هذه الأرقام القلق الذي يشعر به المواطن الأميركي وهو يرى النفوذ الأميركي محل تساؤل وتراجع في الوقت نفسه. كما يعكس أيضا التخوف على التوازن والنظام العالميين عند صعود دولة مثل الصين لا تزال تعتبر نفسها غير ملزمة بالتعامل مع القضايا العالمية من منظور غير شخصي محدود.

الصعود نحو القمة، كما يعتبر مكسبا، يعتبر أيضا تسنما لدور قيادي، والذي يعني في جذره تحملا للمسؤولية ودفع تكاليفها. فللقيادة تكاليف وأعباء كما أن لها فوائد وشهرة.

والصين، وإن تكن تخطو خطواتها نحو المشاركة في القمة، فإنها لا تزال تنظر للعالم من خلال مصالحها الآنية الاقتصادية والسياسية المباشرة في منأى عن آثار مواقفها على الاقتصاد والسلام العالميين.

المواقف الصينية من قضايا البيئة والمناخ والركود الاقتصادي العالمي، ودعمها غير القانوني لعملتها الذي يسبب عجزا هائلا في الصادرات والواردات مع العالم، وغيابها عن المشاركة العالمية البارزة في الإغاثة في الكوارث العالمية مثلا، وغياب دورها في تسوية النزاعات العالمية، كل ذلك يجعل من صعود الصين سياسيا واقتصاديا تحديا للنظام العالمي الذي بقدر ما يتأثر بمصالح الدول الأعضاء إلا أنه يتأثر إلى حد كبير بالرؤية العالمية المعتمدة على تخفيف حدة الصراعات والصدامات والكوارث التي قد تنجم من انفلات دول أو مروقها، مما يسبب اختلالا سياسيا قد يؤدي إلى صراعات عسكرية وحروب طاحنة. فالنظام العالمي بطبيعته يهدف إلى إيجاد نوع من الاستقرار والتوقعية، مما يساعد الدول على صناعة سياسات مستقرة في تعاملها مع غيرها.

صعود الاتحاد السوفياتي وتحركه في إطار توسعي عقب الحرب العالمية الثانية أدى إلى الحرب الباردة بينه وبين الغرب استمرت قرابة نصف قرن. كما أدت السياسات المتصادمة بينه وبين الغرب إلى خلق حالة من الاستقطاب العالمي ذهبت ضحيته الدول الصغيرة التي اضطرت إلى الانحياز لأحد المعسكرين رغما عن أنفها، مما أثر على تطورها ونموها الطبيعي خاصة عندما أصبحت بعضها أدوات في الحرب الباردة والساخنة أحيانا.

صعود الصين اليوم لا يعني بأي حال من الأحوال كل هذه المخاطر، إلا أنه لا يعني أنه بلا مخاطر، خاصة إذا ما قررت التغريد خارج السرب في معظم الأحوال.

الأهم من كل ذلك أن الصين ليست الوحيدة التي تصعد اليوم، فالهند والبرازيل على سبيل المثال تعتبران قوى أخرى في حالة صعود وتألق عالميين سياسيا واقتصاديا، الأمر الذي يقودنا إلى السؤال الأهم: هل صعود الصين والهند والبرازيل يعني تراجع الولايات المتحدة، أم أن العالم الجديد في القرن الحادي والعشرين بات يتحمل صعود عدة قوى جديدة بالإضافة للقوى العالمية الحالية؟ وهل هذا يعتبر أمرا سيئا بالنسبة للولايات المتحدة؟

عدد من المحللين، وأنا من بينهم، يعتقدون أن الأمر ليس تراجعا للولايات المتحدة الأميركية بقدر ما هو صعود للآخرين، وهو صعود محمود ويجب الترحيب به. وهو صعود يدل على أن النظام العالمي الحالي ليس مصمتا، بل يسمح للقوى الصاعدة بالتطور والنمو ودخول الحلبة العالمية الكبرى، وأن هذه الحلبة لم تعد مقصورة على عدد محدود فقط من اللاعبين.

كما أن ذلك يعتبر فأل خير للدول التقليدية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة التي يجب أن ترحب بلاعبين آخرين قادرين على مشاركتها في تحمل المسؤوليات العالمية ومستلزمات القيادة، من مساهمات في المساعدات المالية للدول النامية، والمشاركة في غوث ضحايا الكوارث الطبيعية والتي يصنعها الإنسان، إلى المشاركة في حل النزاعات العالمية وتوفير حالة من الاستقرار العالمي النسبي الذي يسمح بتطور البشرية.

السؤال الآخر الذي يهمنا أيضا هو: هل سيؤدي صعود الآخرين إلى بث روح الحيوية والنشاط في أطراف دولنا العربية والإسلامية، وإلى تطلعها للدخول في ساحة التنافس العالمي، أم أن دولنا وشعوبنا ستستمر في ترديد الأغنية القديمة بأن العالم تحكمه الولايات المتحدة والغرب فقط، على الرغم من صعود دول كانت تعتبر نامية قبل أقل من ربع قرن من الزمن فقط؟

* كاتب أميركي

من أصل ليبي