الصدر من الشارع وإليه!

TT

يسألني أحد الزملاء من الإعلاميين عن مغزى قيام أتباع مقتدى الصدر بإجراء استفتاء غير رسمي، لتحديد من سيؤيدونه ليكون رئيس الوزراء القادم في العراق، وأول ما تبادر إلى الذهن الآية الكريمة «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ».. فمقتدى الصدر جاء من «الشارع»، وهاهو يعود إليه، فلا هو بالقائد المحنك، ولا حتى المؤهل، والدليل وجوده في إيران بحجة إكمال تأهيله العلمي!

وبالطبع، فلا يهم إذا جاءت نتيجة الاستفتاء لمصلحة إياد علاوي، أو المالكي، أو غيرهما، وخصوصا أن الاستفتاء جاء بلا قواعد أو مراقبين، حيث أدلى الصبية والنساء والرجال بأصواتهم، وصوت بعضهم أكثر من مرة، إلا أن الأهم هو مغزى هذا الاستفتاء ودلالاته. فالاستفتاء الذي قام به الصدريون يصب في خانة ما أسميه تسفيه مفهوم القيادة، وخصوصا أن التيار الصدري قد حقق في الانتخابات العراقية قرابة 39 مقعدا على الأقل في البرلمان الجديد، مما يخوله ليكون طرفا مؤثرا في تحالفات تشكيل الحكومة العراقية، فما مبرر العودة إلى «الشارع»؟

هناك من يقول إن التيار الصدري قد لجأ إلى الاستفتاء من أجل اتخاذه ذريعة لعدم دعم نوري المالكي، إلا أن هذا عذر غير مقبول، ولا ينم على حس قيادي، فما دام الناخب قد منح التيار الصدري 39 مقعدا في البرلمان، فكان على قيادات التيار أن تقود، وتقوم باتخاذ قراراها من دون تسفيه لمفهوم القيادة، فحتى في كرة القدم لم يسبق أن رأينا حكم كرة قدم يوقف المباراة ليسأل الجمهور عن رأيه إذا ما كانت الحالة التي أمامهم ضربة جزاء أو لا!

ولذا، فناهيك عن أن الاستفتاء الذي قام به الصدريون لا يحظى بأي شرعية، فإنه تسطيح للمفهوم الديمقراطي، فقدر القيادة، أي قيادة، أن تقود، ولذا فإننا نجد في أعتى الديمقراطيات، بل وحتى الدول غير الديمقراطية، عندما يفخرون بقياداتهم فإنهم يمنحون «الآباء المؤسسين» ميزة لا يمنحونها لسواهم، من الحكام الحاليين أو السابقين، لأن المؤسسين هم من اتخذوا أهم، وأقسى القرارات التي قد لا تروق مريديهم في ذلك الوقت، لكن ومع الأيام ثبت أن تلك القيادات قد اتخذت قرارات صائبة، ولذا اعتبروا واعتبرت قراراتهم تاريخية.

الإشكالية التي لا يتنبه البعض إليها، في منطقتنا، أننا نشهد جهدا تدميريا منظما لقضم دولنا من أطرافها، وحتى من داخلها، كما نشهد تسفيها لمفهوم القيادة، حيث بات لقب الزعامة يطلق على كل من يرفع الصوت، مثل حماس وخالد مشعل، أو يحتمي في سرداب، أو خلف سلاح، مثل حزب الله وحسن نصر الله، أو من يلجأ إلى دولة خارجية، مثل مقتدى الصدر، وليس لمن يبني، ويعمر، ويرعى حقوق شعبه.

ولذا، فيجب أن لا تضللنا تفاصيل التحالفات، التي تتم في العراق اليوم لتشكيل الحكومة، عن رؤية الصورة الأكبر لخلل خطير لا يمس العراق وحده، بل وجل منطقتنا، ونتعامل معه وكأنه أمر مقبول، أو طبيعي، وهو تسفيه مفهوم القيادة، وقضم الدول العربية من الأطراف، والداخل، ويجب أن نتذكر أن دور القائد هو أن يقود، لا أن يقاد.

[email protected]