الحكام والكتاب

TT

لا يغير الكتاب والمفكرون شيئا من مسيرة التاريخ إلا فيما ندر. لم يوقف كاتب ألماني هتلر مسيرة شبر واحد، ولم يجرؤ كاتب روسي أن يطلب من ستالين العفو عن بريء واحد، ولم تستطع صحافة أميركا كلها أن تمنع جورج بوش من تدمير العراق. لكن كبار الكتاب يتركون لنا أحكامهم على التاريخ والتاريخيين. ومن خلال آثارهم نعرف أن هتلر كان مختلا وقصير النظر، ونعرف أن موسيليني كان غليظ الرقبة والقلب والعقل، ونعرف أن نابليون لم يكن بطلا بل أباد من الفرنسيين قدر ما أباد من الآخرين.

عندما قرأت تولستوي شابا، لم أر في الروسي العظيم سوى دراميته ومأساويته. كانت المآسي والآلام والحروب التي يكتب عنها كثيفة وعميقة، بحيث لم ألمح عبقرية ومرارة السخرية عنده. لكن عندما تعيد قراءته، تكتشف كم خلط عمق الآلام بشفافية السخرية. كم ضحك من الذين عملقهم الآخرون. كم سخف أعداء روسيا الذين هجموا عليها من فرنسا، وكم سخف قيصرها الساذج سياسيا، وكم سخر من الروس الذين حوله، وكم ضحك، بألم واضح، من الفرنسيين الذين كانوا حول نابليون. (سوف أعود إلى نصوصه الجميلة في مساحة أخرى).

نفهم من الكونت تولستوي أن الجنون ليس ظاهرة القادة وحدهم. ليس علامة فردية، وإنما هو حالة جماعية تضرب الشعوب كما تضرب قادتها. وبالتالي فإن نابليون كان حالة فرنسية. ولم يكن تاليران، مستشار الأباطرة والملوك في كل العصور، عبقريا بل كان كاذبا ومنحلا، أسمعهم ما يريدون أن يسمعوا وليس ما يعرف تماما أنهم يجب أن يسمعوا.

يسمي المؤرخ والمفكر الاجتماعي العراقي علي الوردي هذه الطبقة من المنافقين والدجالين عبر التاريخ بـ«وعاظ السلاطين». ويدعو إلى أن يحذر الحاكم العادل، أولا، من حوله. فهم غالبا يريدون أن يفصلوا بينه وبين الناس. وهم، غالبا، لا يصورون له إلا أنه محاط بالأعداء والمتآمرين. وهم يسعون إلى عزله عن محبيه من أجل أن المقال الفصل لهم وحدهم. ويقول ابن الوردي إن الحاكم العادل، يدرك بعدله، لا بحدسه فقط، أن الحكمة هي في توسيع دائرة الأوفياء لا الخصوم، وأن الذين يصنعون من حوله سورا إنما يعلون في وجهه جدارا. وهذا ما ليس في طبع العادلين ولا في طبيعة العدل.