الذين عادوا إلى الحياة!

TT

تجربتان رئيسيتان يمر بهما الإنسان دون أن ترصد معارفه الإنسانية الكثير من أسرارهما، وهما: الموت والميلاد، فلا أحد منذ بدء الخليقة استشعر رحلته من رحم أمه، ولا أحد أيضا عاد من الموت ليخبرنا كيف هو الموت، وما هي أسراره. ويحكي لي صديقي «عبد الحفيظ» أنه دخل في غيبوبة استمرت شهورا كان خلالها على مشارف الموت، ومع هذا كان يسمع حوار الأطباء حول سريره، وقول بعضهم إن حالته ميؤوس من شفائها، لكنه كان عاجزا عن الاستجابة أو الاحتجاج على ما يقولون.

واتفق الكثير من الذين كانوا على مشارف الموت أنهم كانوا يعبرون نفقا مظلما، ينتهي بأنوار ساطعة، أو العكس، ومنهم من رأى بعض أهله وأحبابه من الموتى، تلك العناصر المشتركة لتجارب الذين كانوا على مشارف الموت وجدت من يفرد لها عددا من الكتب، بعناوين مثيرة مثل «الذين عادوا إلى الحياة». وتجربة مشارفة الموت تجاوزت الكتّاب والفلاسفة إلى العلماء، فثمة باحثون في عدد من الجامعات يدرسون مجموعة من هذه التجارب، ويجمعون المعلومات، ويحللون الآراء، لكن ما وصلوا إليه حتى الآن من الأسرار التي تقع على تخوم الموت يعتبر محدودا وهامشيا، وتتمثل ذروة ما وصلوا إليه في ما أعلن عنه أخيرا، واعتبر محاولة لفك طلاسم العناصر المشتركة التي استشعرها الذين كانوا على مشارف الموت مثل: النور الساطع، النفق المظلم، ورؤية الأهل والأحباب من الموتى، فهم يفسرون ما يحسه هؤلاء بأنه خداع عقلي، ناتج عن رد فعل كيميائي في الجسم، فارتفاع معدلات ثاني أكسيد الكربون في مجرى الدم تيفع بعض الأشخاص إلى الهلوسة، وهذا هو السبب وراء توهم رؤية الأهل والأحباب الذين ماتوا منذ سنوات، ويؤكد د.كيفن نيلسون، الدارس لتجارب «مشارفة الموت»، أن هذه التجارب يمر بها المرء أثناء محنة طبية أو عند التعرض للخطر، وتدخل في سياق رد فعل المكافحة أو الهروب الذي ينتابنا لدى الخطر، وهي جزء من ميكانيكية الحلم، حيث يدخل الشخص في حالة حركة العين السريعة التي ترافق مشاهدة الأحلام، وإليها يعزى فرز الأضواء الساطعة، كما تفسر تجربة النفق المظلم بأنها حالة تنجم عن توقف تدفق الدم إلى العين، فشبكية العين أكثر الأجزاء الحساسة في العين التي تتأثر بوقف تدفق الدم، فحينما يحدث ذلك، يفشل النظر، وتصاب بالعتمة من المحيط الخارجي، وهذا قد يولد تأثير النفق المظلم.

لكن كل تلك الاستنتاجات التي وصل إليها العلماء تظل دون مستوى الكشف الدقيق عن أسرار وملامح وخفايا اللحظات الحقيقية المتاخمة للموت، وسيظل جهلنا بها مستمرا كجهلنا بلحظات الميلاد التي يعبر فيها المولود من رحم أمه إلى هذا العالم المتوتر، وما سر بدء الحياة بالبكاء، فمن أخبر هذا المولود أنه قدم إلى عالم يستحق البكاء منه وعليه؟!

سبحان الخلاق العظيم.