تجارة المياه

TT

لثاني مرة في فترة ثماني سنوات تتاح لي فرصة اللقاء برئيس وزراء كندي خلال زيارته للسعودية، كانت المرة الأولى مع جان كرتيان إبان وجوده في منصبه والثانية كانت مع رئيس وزراء سابق منذ أيام وهو براين ملروني، وفي المناسبتين (واللتان كانتا تركزان بشكل أساسي على سبل تحسين التعاون الاقتصادي بين البلدين) طرحت السؤال: لماذا لا تسمح كندا بتصدير المياه للسعودية؟

السعودية بلد في أمس الحاجة إلى المياه، وهي مسألة معروفة وليست سرا وفائض المياه المهول الموجود بكندا مسألة معروفة هي الأخرى، بل إن فائض المياه ما بين الأنهار والبحيرات السائل منها والمتجمد يكفي كندا اليوم وعشرات الأضعاف من سكانها كما هو معروف.

الغريب كان نوعية الإجابات التي قدمت على السؤال، فهناك منع كامل لفكرة تصدير المياه واعتبار المياه «حقا طبيعيا لكل مواطن كندي»، وبالتالي يجب «حماية» هذا الحق.

ولا أعلم لماذا تفرق كندا في هذه المسألة ولا تعتبرها مثل منتجات الغابات كالأخشاب واللباب والورق والحديد أو الذهب أو النفط أو غيرها من الموارد الطبيعية التي تشتهر بها كندا، حتما دول الخليج عموما والسعودية تحديدا تعتبر «النفط» سلعتها وحقا لها ولكنها تعي أيضا أنه عليها دور كبير للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي العالمي بتوفير هذه السلعة الحيوية بشكل مستمر وبتسعيرة مناسبة ومجدية.

تصدير المياه من كندا للدول المحتاجة لهذه السلعة مطلب بديهي ومفهوم وهو يقع بمفهوم مبسط مثله مثل السلع والخدمات الأخرى المتبادلة بين الدول بمختلف أشكالها.

يبدو بديهيا جدا من منظور اقتصاد العرض والطلب أن سلعة كالماء مطلوبة وبشدة لدى سوق كبيرة كالسوق السعودية، وأن العرض متوافر وبشدة من كندا وإمكانية توريده ستكون بمنتهى السهولة واليسر عن طريق ناقلات البترول العملاقة والمتوجهة أساسا إلى مناطق أميركا الشمالية لتوريد النفط، فبدلا من عودتها غير ممتلئة لماذا لا تعود بالماء؟ بديهية السؤال وغرابة الإجابة، تدعو لإعادة النظر في طبيعة العلاقات بين الدول، فالدول المنتجة للنفط تتعرض لأسوأ أنواع الضغوط والتهديدات وأبشع الاتهامات بأنها مبتزة ومستغلة وظالمة وهي «تلعب» باحتياجات العالم لسلعتها فتضاعف من الفوائد وتحقق مكاسب غير منطقية، بينما الدول الصناعية الكبرى «تقنن» لتصدير تقنياتها وسلعها فتصنف الدول بحسب ترتيب انتقائي فتحدد من يمكن قبوله ومن الممكن رفضه فيما يخص التصدير والتعاون الاقتصادي.

كندا في حالة «سلعة» المياه ليست بالدولة التجارية المنصفة وهناك قصور منها في التعامل الاقتصادي مع ذلك، (مع العلم أن براين ملروني قال لي إنه الآن خارج المنصب ولديه قناعة تامة أن الموقف الكندي موقف مبالغ فيه جدا وأن تصدير المياه بشكل اقتصادي مدروس لن يمس حق المياه للمواطن الكندي).

السعوديون مطالبون بفتح حوار جاد مع الكنديين للبدء في استيراد المياه منهم، الكنديون بدورهم يقولون إنهم يوفرون القمح للسعودية بأسعار تنافسية وهذا بدوره يساهم بصورة غير مباشرة في تخفيض استهلاك المياه الذي كان موجها لزراعة القمح بشكل كبير وإهدار مخزون المياه السعودي لسنوات طويلة.

حوار اقتصادي جاد يجب أن يكون بعيدا عن الخجل، السعودية توفر النفط بشكل احترافي يجبر الجميع على الاحترام، وهي تقوم بهذا الدور على أفضل وجه إيمانا بدورها في المجتمع الدولي، لو أن كندا نظرت إلى مسألة المياه بنفس الطريقة لتغير الموقف.. موضوع مهم يجب أن يتواصل لأن هناك مصلحة خطيرة تتحقق بنجاحه.

[email protected]