تعلم كيفية العمل مع رجلنا في أفغانستان

TT

يصرح الرئيس الأميركي باراك أوباما باستمرار أنه يعتزم كسب الحرب في أفغانستان. وقال الرئيس في خطاب حالة الاتحاد للعام الحالي: «سنواجه أياما صعبة، لكنني على ثقة تامة بأننا سنحقق النجاح». إلا أن إدارته تقوض حاليا فرصتها في النجاح عن طريق توجيه النقد بصورة مستمرة للشريك الوحيد الجدير بالثقة لأميركا في هذه الدولة، حامد كرزاي، وإضعافه والتقليل من أهميته.

وعلى سبيل الجدل، دعنا نفترض أن الرئيس الأفغاني غير فاعل وفاسد. وحتى إذا صحت هذه المزاعم، فإن لدعمه سببا مهما للغاية، وهو أنه لا يوجد له بديل. لا تستطيع أي قوة أجنبية أن تأمل في إدارة حملة ناجحة لمكافحة التمرد من دون وجود حليف محلي، لديه على الأقل مقدار يسير من الجاذبية الجماهيرية. ففي أفغانستان.

ويعد كرزاي هو الرجل السياسي الأكثر شعبية والأكثر مصداقية، ويتوافق مع هذه الوصف. وعلى الرغم من عيوبه الكثيرة، فلا يوجد أحد يوفي بالمعايير أكثر منه. أضف إلى ذلك أنه هو الرئيس المنتخَب في البلاد، حيث أعيد انتخابه في عملية انتخابية صادقت عليها الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية، بعد جدل دام بعض الوقت. وعلى الرغم من وجود عمليات تزوير خطيرة في عملية الاقتراع، يؤمن القليل من المراقبين أن خصمه، عبد الله عبد الله، وهو من الأقلية الطاجيكية في البلاد، كان سيفوز بالانتخابات إذا كانت أكثر عدلا. والطريقة الوحيدة الممكنة للاستبدال بكرزاي هي وقوع انقلاب عسكري، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار وإضعاف الثقة، لذا فهو لا يستحق النقاش. وعليه، لا يمكننا الاستبدال به، ولا يمكننا تحقيق النجاح من دونه. وعلى الرغم من ذلك، انتقدته إدارة أوباما علنا منذ البداية. وذكرت وسائل الإعلام أنه جرى إلغاء دعوة كرزاي لزيارة البيت الأبيض في 12 مايو (أيار) المقبل، ثم جرى التراجع عن ذلك في ما بعد، وقال المتحدث باسم الإدارة روبرت غيبس إن البيت الأبيض يواصل رصد تصريحات كرزاي ليرى ما إذا كانت الزيارة إلى واشنطن ستكون «بناءة» أم لا.

دعنا نقبل بأن كرزاي رجل تافه ومفرط الحساسية. ودعنا نقبل بأنه يرأس نظاما فاسدا إلى حد كبير. هل يعتقد أحد حقا أن خليفته سيكون مديرا ذكيا وديمقراطيا على طراز توماس جيفرسون ذا فضيلة لا يرقى إليها الشك؟

إننا نتحدث عن أفغانستان، وهي واحدة من أفقر خمس دول في العالم، دمرتها الحروب على مدار 30 عاما. ويوجد في أفغانستان ثقافة قبلية، ومعدل تعليم من بين أدنى المعدلات في العالم. وسيمثل هذا المناخ تحديا لأي فرد. ولأكون منصفا بالنسبة إلى كرزاي، فإنه اتخذ خطوات صائبة خلال الأشهر القليلة الماضية في ما يتعلق بعدد من القضايا، بداية من الإصلاح في مجال الخدمات المدنية والشرطة ووصولا إلى الحكم المحلي وحتى الفساد. وعند مقارنة كرزاي، ولو للحظة، مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، يتبدى لنا أنه عندما تولى المالكي منصبه في شهر أبريل (نيسان) من عام 2006، تحدث عن الشراكة مع الولايات المتحدة في النهار وتقرب إلى المسلحين الشيعة، الذين كانوا يقتلون الجنود الأميركيين في الليل. وأقر وزير المالية في حكومته بيان جبر علنا بأن فرق الموت كانت تعمل من داخل وزارة الداخلية عندما كان يرأسها. وكان حجم الفساد في العراق يقدر بمليارات الدولارات، لا بملايين الدولارات كما هو الحال في أفغانستان، ومع ذلك تفهمت الولايات المتحدة أن بدء المعارك علنا مع المالكي لن يقود إلى شيء سوى جعل مهمة أميركا أكثر صعوبة. وشأنه شأن المالكي، فإن كرزاي أفضل من الكثير من القادة المحليين، الذين اضطُررنا إلى التحالف معهم على مدار عقدين من الزمان.

ولا يعني ذلك أنه لا ينبغي لأميركا أن تمارس ضغوطا شديدة على كرزاي بصورة سرية، لكن الكلمة العملية هنا هي «بصورة سرية». فالتعبير عن مشاعر صادقة قد يكون جيدا عندما تكون مواطنا عاديا، لكن عندما تكون في الحكومة، فإن ذلك يكون بمثابة إشباع للأهواء. فالتعبير عن المشاعر صراحة ليس من الدبلوماسية. ويشير مقال مميز للأستاذ شري بيرمان في كلية بارنارد، في العدد الحالي من مجلة «فورين أفيرز»، إلى أن التحدي الحقيقي الذي يواجه أفغانستان هو بناء الدولة، لا بناء الأمة. يشير التاريخ إلى أن هذه المهمة ستتطلب عملية طويلة وشاقة للوصول إلى مركزية القوة السياسية والسلطة. بمعنى آخر، ستحتاج حكومة كابل إلى أن تصبح أكثر قوة بمرور الوقت، حيث إن التقليل من شأن كرزاي لن يكون مفيدا. وتحتاج إدارة أوباما إلى أن تنضج وتدرك أن كرزاي هو أفضل شريك لديها، وأن عليها استقباله استقبالا حافلا عندما يأتي إلى البيت الأبيض في 12 مايو (أيار) المقبل.

* خدمة «واشنطن بوست»