قال ابن فضلان

TT

أثارت «رحلة ابن فضلان إلى بلاد الترك والروس والصقالبة» اهتمام الجغرافيين العرب، الذين نقلوا عنها الكثير، كما أثارت اهتمام الأكاديميين في الغرب، ولا تزال. وقد صدرت طبعات عربية كثيرة للرحلة، لعل أكثرها تدقيقا، تلك التي حررها الأستاذ شاكر لعيبي (دار السويدي). وقد اتفق الأكاديميون والبُحّاث على أن رحلة ابن فضلان هي الأكثر توثيقا والأقل إطنابا، مع أنها من أوائل الرحلات العربية (921م).

قام ابن فضلان برحلته المثيرة بتكليف من الخليفة المقتدر العباسي، الذي أراد الصقالبة مساعدته. والصقالبة هم سكان حوض الفولغا. وقد اكتشف ياقوت الحموي أمر الرحلة ونقل عنها. ويقال إن المسعودي نقل هو الآخر، لكنه لم يشر إلى ذلك. استغرقت رحلة ابن فضلان 11 شهرا في الذهاب، وانطلقت من بغداد، النهروان، الدسكرة، حلوان، قرميسين، همذان، ساوة، الري (قرب طهران)، خوار الراي، سمنان، الدامغان، نيسابور، سرخس، مرو، قشمهان، أمل.

لم يشكّك البُحّاث في صحة المشاهدات التي تحدث عنها ابن فضلان، وبالتالي ليس لنا كقراء عاديين سوى القبول بها، مع أنها تبدو أحيانا مثل غرائب ألف ليلة وليلة. وعلى سبيل المثال يصف الروس بقوله: «ورأيت الروسية وقد وافوا في تجارتهم ونزلوا على نهر أثل، فلم أرَ أتمَ أبدانا منهم كأنهم النخل، شقر حمر لا يلبسون القراطق ولا الخفاتين، ولكن يلبس الرجل منهم كساء يشتمل به على أحد شقيه ويخرج إحدى يديه منه. ومع كل واحد منهم فأس وسيف وسكين. وكل امرأة منهم فعلى ثديها حلقة مشدودة إما من حديد أو من فضة. وهم أقذر خلق الله لا يستحمون ولا يغسلون أيديهم بل هم كالحمير الضالة يجيئون من بلدهم فيرسون سفنهم بأثل وهو نهر كبير ويبنون على شطيه بيوتا كبارا من الخشب».

ولا مجال لنقل المزيد من أوصاف التقذر، فقراءتها لا تطاق. ويرى ابن خلفان أن الجارية تُحرَق مع صاحبها إذا مات بعد أن تقوم امرأة جلادة بقتلها. والمريض يعزل جانبا ويعطي الخبز والماء فإذا شفي عاد إلى أهله وإذا هلك أحرق أو تُرك للكلاب والجوارح. والسارق يُقتل شنقا على شجرة ويُترك للطيور. والزاني والزانية يُقتلان تقطيعا.

ويخبرنا ابن فضلان، أو يخبر المقتدر، أنه إذا مات زعيم القبيلة دُفن في بيت على النهر ثم تُضرب أعناق الذين قاموا بدفنه لكي لا يعرف أحد بالمكان «ولا يصله شيطان أو إنسان». وروى أن لملك الخزر 25 امرأة وستين جارية ولكل جارية خادم يحجبها عن الطلب.