طائرة الرئيس.. والخطة البديلة

TT

عندما سمعت بموت الرئيس البولندي وزوجته وخمسين نائبا في البرلمان وعشرات الوزراء وقياديي الجيش في حادثة تحطم طائرة مفاجئ، قبل بضعة أيام، تذكرت ما أخبرني به سابقا أصدقاء أميركيون من أن هناك عرفا لديهم وهو ضرورة أن يتجنب الرئيس الأميركي السفر مع نائبه على متن طائرة واحدة لدواع أمنية.

ولكن يبدو أن المُشَرّع البولندي كان يقظا فوضع خطة بديلة أو ما يسمى بالإنجليزية Plan B وتنص على أنه في حالة وفاة الرئيس البولندي يتولى رئيس مجلس النواب مهام رئيس الدولة، فأنقذ البلد من كارثة أخرى وهي الفراغ الدستوري، الذي أدى في حالات تاريخية عديدة إلى قفز رموز المعارضة أو المخربين إلى سُدة الحكم. ومشروع «الخطة البديلة» أثبت جدواه أيضا عندما خلا منصب أمير دولة الكويت الشيخ جابر، الذي وافته المنية عام 2006، ولم يكن ولي عهده آنذاك (الشيخ سعد) يتمتع بالصحة الكافية لتولي زمام الحكم، «فمارس مجلس الوزراء في دولة الكويت جميع اختصاصات رئيس الدولة لحين اختيار الأمير» بحسب المادة 4 من قانون توارث الإمارة، فتمت عملية انتقال الحكم بطريقة دستورية سلسة.

لا تقتصر الخطة البديلة على السياسيين فقط، بل يجدر أن تكون في المؤسسات والشركات الخاصة - أيا كان حجمها - حيث يجب أن تضع في حسبانها أهمية مراجعة خططها البديلة «على جميع الأصعدة» قبل تعرضها إلى حادث مأساوي أو كارثة طبيعية تهدد حياة موظفيها أو مستنداتها المهمة. هناك شركات عربية عديدة لديها خطط بديلة لحماية أنظمتها التكنولوجية الداخلية كالبريد الإلكتروني والملفات الإلكترونية وغيرها، بمعنى أنها لو تعرضت لحريق أو غيره - لا قدر الله - فبإمكانها بسهولة استرجاع كل بياناتها من السيرفر الرئيسي المخزن في دولة أخرى. وكذلك الحال مع بيانات الموظفين والمستندات الأصلية التي يتطلب تخزينها إلكترونيا خزائن حديدية أو غرفا آمنة ضد الحريق.

أحيانا لا تكون لدى الشركات خطة بديلة لكل شيء، غير أنها تتمتع بمسؤولين لديهم «حدس القائد»، مثلما جرى في حوار كنت أستمع إليه في شركة عربية، عندما اقترح أحد الموظفين أن تقيم شركتهم رحلة بحرية لجميع الموظفين على متن مركب شراعي تقليدي (البوم)، تمتد لمدة يوم كامل، وذلك للخروج من الجو المعتاد في قضاء اليوم الترفيهي المفتوح. فتبسم الرئيس التنفيذي وقال: «فكرة جميلة... لكن لا يمكن أن أسمح بها لأن هذا الأمر يشكل خطورة بالغة على حياة جميع موظفي الشركة لو وقع لهم مكروه في عرض البحر». هذا الحدس كان في محله، لأنه يتماشى مع مبادئ إدارة المخاطر التي تدعو الشركة إلى أن تعمل كل ما بوسعها لتجنب تعريض أصولها البشرية والعينية للخطر، فالأمر في نهاية المطاف مرتبط بمصالح المساهمين الذين ائتمنوا قياديي الشركة على استثماراتهم.

ومن الغريب أن نجد بعض الرؤساء التنفيذيين يتعمدون ألا يضعوا نوابا لهم، لأسباب غير مفهومة، الأمر الذي يعرض الشركة لخطر التعلق بشخص واحد. والأسوأ حينما يكون هذا الرئيس هو الكل بالكل، أي إنه يعرف دقائق الأمور التي يجهلها حتى موظفو الإدارة الوسطى، بحيث تشكل مسألة استقالته أو تعرض حياته للخطر ضررا بالغا على الشركة ومساهميها. لذا فعلى أعضاء مجالس الإدارات الحرص على وضع نواب جيدين وفعالين للرئيس، «وليسوا صوريين» ليكون ذلك بمثابة «الخطة البديلة» التي تسعف المؤسسة في حالة غياب الرئيس!

حتى على المستوى الفردي، يجب أن يكون لدى كل فرد خطة بديلة له ولأسرته، في حالة تعرض حياته أو حياة أسرته للخطر، أو في حالة تلف ممتلكاته جراء حوادث عارضة، لا قدر الله. فمن أبسط قواعد التنظيم الإداري أن يحفظ الإنسان مستنداته المهمة في مكان آمن يسهل الوصول إليه، كأن يودع في صندوق الأمانات بالبنك أو في بيته: نسخة من عقد زواجه، ووثيقة بيته، وشهاداته العلمية، ووثائقه ومقتنياته الشخصية، بحيث يرجع إليها وقت الحاجة.

وضع خطة بديلة ليس وجاهة بل حاجة ماسة تنم عن حس إداري رفيع لدى الأفراد والمؤسسات.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]