الذكرى الخامسة للانسحاب السوري.. هل حقا انسحبت ؟!

TT

في لبنان تسود منذ فترة بدعة سياسية إعلامية قسرية سبق أن مورست في حقبة التسعينات ويعاد اليوم استحضارها. هذه البدعة تقضي بدفن القضايا الخلافية وسحب طرحها من النقاش الإعلامي والسياسي بذريعة الحفاظ على الاستقرار والتوافق وصون «المقاومة» وحماية العلاقات «الأخوية» مع سورية والتفرغ لمواجهة إسرائيل.

مجددا، يدخل لبنان نفقا تتداخل فيه المعاني والأدوار، فلا قيامة للدولة، بل ممنوع أن تقوم الدولة التي عليها أن تبقى حتى إشعار آخر ضعيفة ومقيدة لصالح «السلاح المقاوم»، وعلى الطاقات كلها أن تنصب في هذا الاتجاه وحده، وأي حديث آخر فهو خيانة عظمى يستحق متبنوها أقصى درجات التخوين والعقوبة.

اليوم تكاد هذه البدعة أن تصبح ناموسا، خصوصا في قضية أساسية وخلافية في لبنان، هي سلاح حزب الله، وأي علاقة يجب أن تكون بين سورية ولبنان، وإلى ماذا ستفضي تحقيقات المحكمة الدولية. فلا يكاد يمر يوم دون تصريحات تصل في أحيان عدة إلى حدود التحذير والتهديد بضرورة وقف التداول الإعلامي بموضوع سلاح حزب الله.

وتيرة الضغط باتجاه الحيلولة دون نقاشات علنية وصريحة تتضاعف ونحن على مسافة أيام قليلة من الذكرى الخامسة للانسحاب العسكري السوري من لبنان. والمهتم بمعرفة مقاربة الإعلام اللبناني للمناسبة سيجد حتما تفاوتا كبيرا في أداء الإعلام هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية. وهذا التفاوت أوقع الكثير من الإعلام في تناقض فادح لم يعد يقنع أحدا لا في لبنان ولا خارجه. في الوسط الإعلامي والسياسي يجري التداول بشأن لوائح طويلة من المحظورات جعلت الكثير يستشعر عودة إلى حقبة خال لبنانيون أنها باتت من الماضي.

ليس بوسع أحد إنكار المتغيرات الكثيرة التي حدثت في السنوات الخمس الأخيرة، وأهمها أن سورية انسحبت عسكريا من لبنان، لكن هل انعكس هذا الأمر على طبيعة الطموحات السورية في لبنان، خصوصا أن الوضع الداخلي اللبناني يبدو ضعيف المناعة إزاء تلك الطموحات.

المشكلة هي أن الجبهة التي يفترض أن تواجه تلك التهويلات هي اليوم جبهة متصدعة وضعيفة المناعة، ما يسهل على حاملي ألوية «المقاومة» و«الممانعة» ترهيبهم واستهدافهم والتعامل معهم على قاعدة محو متغيرات السنوات الخمس الأخيرة وإعادة الأمور إلى الوراء. فهناك من يحاول أن يكرر في لبنان تجربة التسعينات حين خال اللبنانيون أنهم في مرحلة البناء والتعمير والانقسام السلمي، وإذ بنا نتفاجأ بأن الحال ليس كذلك أبدا. من الواقعي الاعتراف بأن مساحات النقاش والتعبير بشأن هواجس فعلية تتعلق بمصير لبنان باتت تضيق وأن شخصيات سياسية وثقافية يتم تهميشها عمدا. مساحات التفاؤل في ظل هذا الواقع محدودة، لكن وبما أن عصرنا زاخر بالأفكار والتقنيات، فليس أقل من بذل بعض الجهد للتحايل على الواقع المستجد حتى لا يتكرس نمط سبق أن دفع لبنانيون كثر أثمانا فادحة في مواجهته.

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام

diana@ asharqalawsat.com