حب اليهوديات

TT

لم يرد الشيء الكثير من الأدبيات العربية في مواضيع حب النساء اليهوديات كما ورد بالنسبة إلى الوقوع في حب النساء المسيحيات، مما سبق، أن أتيت على الكثير منه. وقد يعود ذلك إلى حذر اليهوديات من الوقوع في حب رجل من غير دينهن أو الزواج به. هناك شيء من العنصرية في الموضوع، فالطائفة الموسوية تنظر نظرة سيئة جدا إلى من تتزوج بغير يهودي، وكثيرا ما كانوا ينبذونها ويتبرأون منها. لا بد من صيانة الدم العبري من الاختلاط بالغير. ولهم في ذلك نصوص ومبررات فقهية كثيرة. من ذلك أن الشريعة الموسوية تفترض أن ابن اليهودية يهودي، فكيف تستطيع الأم أن تربي ابنها على دينها وهي في بيت مسلم؟

كما أن المجتمع اليهودي منغلق على نفسه، فلا يجد الشاب المسلم كثيرا من الفرص للتوغل فيه والتعرف بحسناواته.

فضلا عن ذلك فإن اليهوديات الشرقيات المزراحي ساميات، ومن ذلك أنهن بصورة عامة يتصفن بنفس الصفات التي تتسم بها المرأة العربية المسلمة، البشرة السمراء، الشعر الأسود، العيون السوداء أو الداكنة والتقاطيع السامية كالأنف المعكوف والقامة القصيرة. وليس في ذلك ما يثير مشاعر العربي المسلم الذي اعتاد على تفضيل السمات الأوروبية، البشرة البيضاء والعين الزرقاء والشعر الأشقر والأنف الدقيق والقامة الطويلة، مما يجده في كثير من المسيحيات.

ولكن هذه العوامل لم تنفِ كليا الهوى المتبادل بين الموسويات والأغيار من مسلمين وعرب. عرفنا الكثير من ذلك في أيام الخير من العهد الملكي. وقع الكثيرون من رجالات ذلك العهد، ومنهم قاضي بغداد برهان الدين الكيلاني، في حب المطربة سليمة مراد. وكان منهم طبعا نجم المقام العراقي ناظم الغزالي، حيث تزوجا وقضيا أجمل سنوات حياتهما معا. وكان منهم أيضا زكي خيري، سكرتير الحزب الشيوعي في وقت ما، الذي أحب وتزوج الرفيقة سعاد. وكان ممن وقعوا في حب مبرح مع سيدة يهودية أيضا محمود صبحي الدفتري. أحب جان، أو جانو كما كان يسميها. وشابت علاقتهما كثير من الاضطرابات والعكننات أدت بها يوما إلى الزعل منه وهجرانه، فتعذب كثيرا من ذلك ولم يعرف كيف يرضيها ويصالحها. فكلف صديقه الشاعر عطا الخطيب، مفتي بغداد، بأن يكتب له شعرا يتوسل به لترجع إليه. وكان على علم بقصة هيامه بها، فأعطاه هذين البيتين الظريفين بما فيهما من جناس دقيق:

* محمود صبحي الدفتري يا جانو - زادت به من بعدك الأشجانُ

* عجب الأنام بما رأوا من حاله - حتى اليهود تساءلوا: «وي! اش جانوا!»

* ومن النوادر التي سطرها أحمد القزويني في «كتاب النوادر» هذان البيتان الظريفان من الشاعر النجفي الشيخ صالح الكواز، اللذان يلعبان بحذق بمعتقداتنا الدينية وبما ارتبط بحياة النبي موسى عليه السلام ورسالته ومعجزاته:

* ورُبّ ظبيّة مِن آل موسى - أرتنا باللحاظ عصا أبيها

* وغرّتها تفوق على الدراري - كأن يمينه البيضاء فيها