فركة أذن

TT

الراسخون في العلم يعرفون أن ما يحدث في آيسلندا هو نتيجة صراع بين الجليد والرواسب البركانية. إذا ذاب الجليد من تلقاء نفسه، هدأت الحمم واختفت الغيوم البركانية من سماء الآخرين وأجوائهم. وإذا حدث هدوء مفاجئ في حركة النار انتصر الرماد وعادت ألوف الطائرات إلى التحليق. أما إذا لم يحدث هذا ولا ذاك فلا بد من العودة إلى تكهنات نوسترادموس.

أما البسطاء أمثالنا، الذين لا علم لهم في «الطبقات» ولا في الجيولوجيا وهم على جهل تام بعلوم الفيزياء، فيرون في ذلك كله أن دولة صغيرة، قائمة على جليد وبراكين، ولا يزيد عدد سكانها الشجعان، أو الانتحاريين، على 300 ألف نسمة، هذه الدولة أمسكت الإنسان المحلق من أذنه وشدت به إلى الأرض: أنت، أنت هناك، من جعلت الازدحام في الأجواء مثله في شوارع لاغوس و«ميدان التحرير» في القاهرة، أنت، مهلك. عد قليلا إلى الأرض وتأمل. حدق في أسرار الطبيعة وتواضع. قارن بين حجمك وحجم الإعصار كاترينا. تأمل الزلزال الذي ضرب بلدا عاجزا مثل هايتي وبلدا إمبراطوريا مثل الصين. ولاحظ كيف حول بركان مزاجي في بلد منسي على حافة العالم، ملايين البشر إلى مضاحك، مزنوقين في المطارات، تائهين في الأروقة، ومشردين من ثلاث فئات، سياحية وأعمال ودرجة أولى.

اتصلت بي ابنتي من بيروت لتقول لي، إنها الطبيعة تفرك أذن الإنسان. لقد اخترع أسوأ أسلحة التدمير الشامل ولا يستطيع أن يهمس في أذن بركان، أو أن يبعد غيومه. لقد طوى الإعصار كاترينا ولاية كاملة في أكثر بلدان العالم تقدما، كما يفعل أي إعصار بمقاطعة في بنغلادش المتأخرة في ركب العلوم.

تشبه انتصارات العلوم التقدم الذي أحرزه السوفيات: «سوجورنور» يرسل تحياته من المريخ، ومشكلات الأرض نفسها بلا حلول. أنظار العالم على شرق أوسط متفجر من جديد، فإذا ببقعة جرداء معدنية يائسة، تصبح موقع الانفجار الذي لا تنفع معه محادثات ولا وساطات. لا مكان للدبلوماسية هنا، ولا للعقل أو التعقل. ثمة سيد واحد في هذا الموقف: الخوف من أن يكون جنون الطبيعة هذه المرة طويلا وبلا أي حساب.

في الماضي كانت تتبع زوارق البراكين مجاعات ووفيات محلية. تنفق الحيوانات وتنتشر الأوبئة ويموت البشر. هذه المرة يهدد بركان واحد، من 35 بركانا في آيسلندا، أوروبا برمتها. وربما أبعد. وعلماء البراكين لم يعد لهم ما يقولونه للناس سوى كلمة واحدة كان يرفضها بعض العلماء: صلوا.