«اللقمة» التي لا تؤكل إلا بعد أن «تتلغوص»

TT

عندما ذهب السادات إلى تل أبيب، وعقد معاهدة الصلح والاعتراف بإسرائيل في كامب ديفيد، هاجمه ياسر عرفات هجوما كاسحا، بل واتهمه بالخيانة، ورفض أن يجلس مندوب فلسطين في الكرسي الذي وضع له في فندق «مينا هاوس» مع بقية المتحاورين للوصول إلى حل لانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في حرب 67، هذا قبل الجدار الفاصل، وقبل آلاف المستوطنات التي تكاثرت كالسرطان في الضفة الغربية.

مرت الأعوام وقتل السادات، وأتمت إسرائيل انسحابها من كامل سيناء، فماذا حصل بعد ذلك وماذا استجد؟!

«المضحك المبكي» أن الخطوات نفسها التي سار عليها السادات هي التي سار عليها عرفات فيما بعد، بل إنها - يا سبحان الله - كانت طبق الأصل. والفارق الوحيد أن السادات ذهب إلى إسرائيل علنا ينشد السلام وعرفات و«فتح» تفاوضوا سرا مع إسرائيل ووقعوا معها اتفاقية «أوسلو». ولكن بعد إيه؟! بعد الانتفاضات «العبثية» التي جلبت المزيد من التدمير والتشريد للفلسطينيين، فتأملوا وقارنوا «السيناريو». وإن كنت غلطانا فلا تترددوا، ارجموني بقشر البطيخ، وأعاهدكم أنني لن أرد عن وجهي شقفة واحدة.

السادات فاوض «مناحيم بيغن» في كامب ديفيد، ووقع معه وصافحه في البيت الأبيض بحضور «كارتر».

عرفات فاوض «إسحق رابين»، وبعده «كلنتون»، وتمت المفاوضة بنفس الـ«كامب ديفيد»، وتم التوقيع والمصافحة في نفس البيت الذي يقال له: الأبيض.

كما أن عرفات ذهب إلى إسرائيل مثلما ذهب السادات أيضا، مع فارق بسيط؛ فالسادات ذهب وهو بكامل «شياكته» وابتسامته الباهتة التي تشبه البكاء، وحظي بقبلة من «غولدا مايير»، في حين أن عرفات ذهب إلى هناك بما يشبه التخفي، وذلك عندما نزع «العقال والحطة» الفلسطينية واكتفى برأسه المكشوف على الآخر. وذهب ليعزي زوجة رابين في مقتله، وبدلا من أن يقبل خدها - لا سمح الله - مثلما فعل السادات، قبل عرفات يدها كأسلوب حضاري، وهذا هو الفرق فقط!

ولا أدري لماذا زعماء فلسطين لا يريدون أن يأكلوا «اللقمة» إلا بعد أن تسقط على الأرض و«تتلغوص»؟!.. لقد أضاع عرفات بتردده - ولا أقول بخوفه - فرصة من الصعب أن تتكرر الآن. وذلك في آخر أيام رئاسة كلنتون عندما عرض عليه إرجاع «96%» من أراضي الضفة الغربية، مع الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية، والتعويض عن الـ«4%» الباقية باقتطاعها من صحراء النقب، مع إيجاد حل وسطي لقضية اللاجئين، ولكنه للأسف رفض ورجع للمربع الأول، ومات «شهيدا.. شهيدا.. شهيدا» ولسان حاله يقول: يا ليتني قبلت!

ويا للعجب! وكأن كل زعيم فلسطيني مستنسخ من الآخر، والفارق ما بين كل واحد منهم عن الآخر هو فقط نبرة «الحبال الصوتية». وها هو سميي خالد مشعل الذي يحكم غزة ويوجهها فرحا «بالريموت كنترول» من سورية، ويصدر الأوامر بالضرب خبط عشواء «بصواريخ التنك»، لترد إسرائيل بالطائرات المتوحشة. وبعد الكثير من المعاناة تطلب حركة حماس «التهدئة» لمدة معينة، وبعد أن انتهت عاودت الإطلاق العشوائي لصواريخ «التنك»، وكأنها تقول للإسرائيليين ها نحن فتحنا لكم الضوء الأخضر فتعالوا على الرحب والسعة بطائراتكم، وهذا ما كان مع الأسف والألم! وبعد كل ما حصل من قتل وتشريد للآلاف وتدمير لغزة وجعلها ركاما، ها هي حماس تعود للتهدئة مرة أخرى، والمشكلة أنها تقول: «انتصرنا»، ولا أدري على إيه؟!

ألم أقل لكم إنهم لا يستسيغون أكل اللقمة إلا بعد أن تتلغوص؟!

وإنني أراهنكم - واذكروا كلامي جيدا - على أن حماس رغم مزايداتها الاستعراضية التي «لا تسمن ولا تغني من جوع»، تتمنى، وستخوض مفاوضات مع إسرائيل وستعترف بها، ولكن بعد أن «تتلغوص» اللقمة أكثر وأكثر!

[email protected]