هل هناك غزو فارسي هندي للموسيقى العربية؟

TT

* هناك أغنية سودانية شهيرة ورائعة تقول كلماتها:

* «إزيكم؟ كيفنكم؟

* أنا لي زمان ما شفتكم

* مشتاق كثير

* كثير كثير لحيّكم»...

* وجل الحوارات الصحافية اليوم مع نجوم السياسة والاقتصاد والأدب والفن تقتصر في مضمونها على أسئلة مماثلة لـ«إزيكم؟ كيفنكم؟»، وبالتالي لا تتجاوز قامة إجاباتها نمطية «مشتاق كثير.. كثير كثير لحيّكم». ومن الحوارات القليلة الممتعة حوار قرأته قبل أيام مع فنان عبقري يعيش على الكفاف، ويطرق قضايا أكثر عمقا مما اعتدنا، وينظر من زوايا غير التي ألفنا، فهو يصف انتكاسة الموسيقى العربية ويقول: «ما يحدث مضيعة للموسيقى العربية؛ فالمقامات التي تسمع فيها الإحساس الشرقي الجميل والتي تعتبر دعامة للموسيقى في الجزيرة العربية تحديدا مثل الحجاز كار والشاهناز والرصد والحراب والبنجكة والسيكا قد انتهت، ولم يبق في الساحة حاليا إلا نتاج الغزو الثقافي للفن الباكستاني والفارسي والهندي الذي يأتينا عن طريق الأفلام السينمائية، فلم نعد نسمع في كل الخليج إلا مقامات الكرد والنهاوند والعجم»، ويستعيد خوف أحمد شوقي على اللغة العربية من بيرم التونسي، ويرى أن شوقي كان محقا، ورغم قناعته بأن أم كلثوم نجحت مع عبد الوهاب ولكن الإحساس الشرقي (الحرّاق) الذي يثير الشجن ويحرك الآه في المستمع لن تجده - حسب تعبيره - إلا في أغاني السنباطي وزكريا أحمد. ويعترف هذا الفنان الكبير الذي يعيش على الكفاف أنه تمنى أن يلحن لفيروز، وجهز لحنا لها منذ 30 سنة، لكن لعدم توفر المال الكافي لديه للسفر إلى بيروت وعرضه عليها لم تتحقق أمنيته!

أمام إجابات الفنان الكبير غازي علي في الحوار الذي أجراه الزميل بدر الغانمي تشعر أنك أمام فنان عبقري وفيلسوف له رؤاه الخاصة التي يتقاطع فيها مع كبار العباقرة والفلاسفة والشعراء أمثال أبي العلاء المعري، فنجده يفلسف عزوبيته ويقول: «ما شاهدته وشعرت به بعد نكسة 67 من تراكم لمشكلات العالم العربي جعلني أتساءل: لماذا أخلّف أناسا لكي يتعذبوا من واقع الأمة؟!»، ولهذا الفنان اهتماماته الخاصة بـ«اليوغا»، ويربط بينها وبين الفن، ويرى أن كل الفنانين «يوغيون» بطبيعتهم، وأنها - أي اليوغا - أسلوب يساعدك لكي تعرف نفسك بنفسك، وهذه المعرفة لا تتم إلا بكبح جماح الغرائز، وتعزيز الروحانية والسمو والصدق مع النفس.

أن تعثر على مثقف كبير بحجم الفنان غازي علي يختلف في إجاباته عن السائد والمألوف والشائع، ليس متاحا دائما، فليس في حياتنا المعاصرة كثيرون من أمثاله، ويبقى السؤال الأكثر حرارة: هل حقا هناك غزو باكستاني وفارسي وهندي للموسيقى العربية؟ سؤال تمنيت أن يتفاعل معه الملحنون، وبصورة خاصة الخليجيون المحاصرون في مقامات الكرد والنهاوند والعجم!

[email protected]