بابل الجامعة العربية

TT

بابل معروفة في الأدب العالمي كرمز لتجمع الشعوب. والظاهر أن السيد وليم يوسف، صاحب شركة «آرتشيز» للمأكولات العربية، قد عقد العزم على تحقيق ما فشل زعماء العراق في تحقيقه في برلمانهم الجديد من توحيد الطوائف والقوميات. حقق السيد يوسف ذلك لكن في مطعمه الفريد في ويمبلي بلندن الذي أطلق عليه اسم بابل، أو بابلونيا. حضرت حفلة من حفلاته العراقية فإذا بي أجد نفسي محاطا بممثلي كل الطوائف العراقية من سنتها وشيعتها، يهودها ونصاراها، عربها وأكرادها. السيدة نيران تمن، ابنة الصحافي العراقي الكبير سليم بصون، قادت الدبكة العراقية. والسيدة أندرا فتنتنا برقصها الشرقي. والسيدة هناء يوسف حببت لنا الموت بالتخمة بكبّتها الموصلية وكبابها السليماني وسمكها المسقوف.

إذا كان الأكل والغناء والرقص هو ما يوحد العراقيين ويمحو ما بينهم من حزازات وعنصريات وطائفيات، فلماذا لا يحولون البرلمان العراقي إلى كبابخانة تعج بالأكل والطرب والرقص بدلا من تضييع وقت الناس بكل هذه المناقشات العقيمة؟ أنا واثق تمام الثقة أن سائر النواب سيفضلون التفرج على أندرا ترقص، وميسون الدملوجي تشوي السمك المسقوف بدلا من شوائها المعتاد لسخافاتهم وأنانياتهم وكل مهاتراتهم الطائفية والنفعية.

طالما شكا العراقيون ومعظم العرب الآخرين من الروح القطرية التي كثيرا ما تجاهل بها إخواننا المصريون منجزات الشعوب العربية الأخرى وتراثها ورجالاتها. كنت أتصفح كتاب جلال أمين «شخصيات لها تاريخ». ألقيت نظرة على المحتويات فقط فلم أجد بين القائمة الطويلة التي بلغت نحو ثلاثين اسما من أهل الفكر والأدب المعاصرين أحدا من غير المصريين، باستثناء نزار قباني وإدوارد سعيد. كل من أنجبتهم البلدان العربية الأخرى من شعراء وأدباء ومفكرين لم يحظوا بنظرة من المؤلف. تذكرت ما فعله في هذا الكتاب بعد أن فرغ المطرب العراقي طاهر بركات من عزفه على الكمنجة وغناء البستات العراقية التي يجيدها ويبدع في تنويعها وتطويرها، تسلمت الميكروفون من بعده المطربة المصرية حنان، وانطلقت بغناء روائع الطرب المصري الخالدة في نفوسنا. لكنها كانت حفلة عراقية في مطعم عراقي لمواطن مسيحي عراقي ولجمهور من زبائنه العراقيين وحول موائد مثقلة بالأكلات العراقية، أفلا يستحق الحاضرون من المطربة الفاضلة أن تنشد لنا شيئا من تراثنا؟ فما أحلى الأغاني الشعبية عندما يغنيها مطرب من بلد عربي آخر، فهي لا تقل في رأيي طراوة وحلاوة عن سماع خطيب سلفي يلقي وعظا على جمهوره ويستشهد بكارل ماركس. أكان من الصعب حقا عليك يا حنان، وأنت تلك المطربة المتمكنة، أن تتعلمي أغنية واحدة من أغاني العراق، مثلا غنوة العراقيين الشعبية:

«خدري الشاي خدريه! عيوني ألمن أخدره؟

راح اللي أحبهم لولاية البصرة

راح هواي يا ناس، ما أدري لمن أصبه!

ما أحد بعد عيناه يستاهل يشربه!».