التشيع والصوفية.. وشماتة الأعداء

TT

ليس للصوفية حق في أن تؤسس لها قناة تبث من خلالها أفكارها وعقيدتها وممارساتها، هكذا فهم مقالي الأخير عدد من القراء المتعاطفين مع الصوفية، ومنهم القارئة الكريمة ملوك الشيخ من جدة، فقد أشرت في المقال إلى إعلان شيخ الطريقة العزمية علاء أبو العزائم إنشاء قناة صوفية بدعم من تجار خليجيين ومنهم سعوديون، لكني لم أحجر على أحد أن يؤسس قناة تبث قناعاته، وليس من العقل ولا المنطق ولا في قدرة أي أحد أن يطالب بتضييق فضاء الله الواسع على أحد، وعلى أية حال فالمقال بين يدي القراء فليرجعوا له إن شاءوا.

إن قصارى ما أنادي به كل الفضائيات الإسلامية، أيا كان انتماؤها وآيديولوجيتها؛ سلفية أو صوفية أو شيعية، أن تدرك أن القنوات التي تسبح في الفضاء أمست مثلها مثل الكواكب الأخرى التي يشاهدها كل البشر، كل شيء صار تحت مجهر المراقبة الدقيقة، والذكي من هذه القنوات الإسلامية الذي يضبط عملية «التسويق» ويفرض قدرا جيدا من «العالمية» في برامجها، وهذا يحتم أن توجد رقابة ذاتية و«فلترة»، فلا تعرض على شاشتها إلا ما يصلح أن يراه القاصي والداني من المسلمين وغير المسلمين مما لا تتحرج أن تنسبه للإسلام.

ولا أقصد بذلك «فلترة» كل المسائل العقائدية والمذهبية التقليدية التي ارتضاها أتباع كل مذهب من المذاهب الإسلامية المختلفة فهذا محال، وإنما أعني بعض التفصيلات العقائدية «المثيرة» التي قد لا يقبلها سواد المسلمين أو يستغربونها، خذوا مثلا «التطبير» عند الشيعة، وهو شرخ الجبين بحد السيف لإخراج الدم واللطم بالسلاسل الحديدية تضامنا مع مقتل سبط رسول الله الحسين بن علي وأسرته رضي الله عنهم جميعا، فقد أحسنت عدد من القنوات الفضائية الشيعية بعدم عرض هذه الاحتفالية الدموية، وهذا تصرف ذكي، لأن مثل هذه المشاهد الدموية المرعبة تعطي تصورا سلبيا لدى أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، وترسل رسائل خاطئة عن الإسلام لأتباع الديانات المختلفة يشمتون بها الإسلام، وهذا ما لاحظته من خلال متابعتي للقنوات الغربية التي عودتنا نقل مشاهد لرجال وأطفال شيعة عارية صدورهم وهم يضربون جباههم بحد السيوف وشفرات المطاوي والدماء تغطي أجسادهم، وهذا ليس رأيا أتفرد به، بل هو ما ينادي به حتى بعض علماء الشيعة ومثقفيهم.

وكذلك الحال مع أي قناة صوفية جديدة تعتزم أن تطرح مظاهر التصوف على شاشتها، يصعب أن نتصور مثلا أن تنقل بثا مباشرا من مسجد «سيدنا الحسين» في القاهرة لمصلين يطوفون بالقبر ويتوسلون به، أو لخليط من الرجال والنساء يتراقصون ويتمايلون حتى درجة الإغماء ثم يسمونها عبادة، أو أن تجري هذه الفضائية مقابلات مع رجال ونساء استغاثوا بالسيدة زينب ففرجت كربهم وشفت مريضهم وأغنت فقيرهم. وليس الإشكال هنا في مخالفة مثل هذه المظاهر الغريبة للإسلام فحسب، ولكنها أيضا صارت «غير مقنعة» حتى لأتباع هذه الطرق وخاصة الأجيال الشابة، فسببت لهم ارتباكا في أذهانهم حول فهم الإسلام كله.

وأذكر عندما كنت مقيما ببريطانيا أن «البريلوية»، وهي إحدى الطرق الصوفية في شبه القارة الهندية، كان لها مساجد في بريطانيا وكان الإمام يوم الجمعة يقف ويأمر المصلين بالوقوف احتراما لرسول الله، الذي يزعمون أنه ينزل عليهم لحظات ثم يغادر! ولم تكن مثل هذه المظاهر مقنعة لشبابهم فنفرت كثيرا منهم من تغشي المساجد، بل وتحول بعضهم إلى «مساجد أخرى»، حينها أدرك بعض أذكياء البريلوية أن لا حاجة لمثل هذه «الطقوس» الغريبة، التي تخلو منها الأغلبية الساحقة من مساجد المسلمين في طول العالم وعرضه. هذا بالضبط ما أردت أن يفهمه القائمون على القناة الصوفية الناشئة، وستكون هذه القناة إضافة مهمة لو أرجعت بالتصوف إلى العصور الإسلامية الأولى المباركة، التصوف الذي ينزع فقط إلى تزكية النفس وتطهيرها من أدران المعصية، بعيدا عن غرائب الصوفية وعجائبها المستحدثة و«غير المقنعة»، وبهذا تكون قناة صوفية «متسلفة».