هذا هو ما تدعون إليه؟

TT

أثار السلوك المرفوض «للفريق الحاكم» من حزب الدعوة الإسلامية في إدارة الدولة، تساؤلات كثيرة عن معضلة علاقة الدين بالسياسة ومدى صدقية الشعارات المرفوعة. وسواء كانت الممارسات أسلوبا محددا خاطئا، أو كانت نهجا يعتمد على معطيات فكرية، فإن من حق الآخرين إثارة التساؤلات، بعيدا عن الولوج في مسائل دينية.

في الخامس والعشرين من أبريل (نيسان) بثت قناة فضائية برنامجا حول قضية السجن السري في بغداد، وقد كشف الدكتور سلمان الجميلي العضو القيادي في القائمة العراقية معلومات بالغة الخطورة، حيث أفاد بحصول مشادات في اجتماع لمجلس الوزراء قبل ثلاثة أيام من البرنامج، وقد سأل نائب رئيس الوزراء الدكتور رافع العيساوي وزير العدل عما إذا كان يوجد بين المعتقلين أبرياء، فرد عليه الوزير بالإيجاب، وسأل العيساوي وزيرة حقوق الإنسان: «هل جرت عمليات تعذيب واغتصاب؟»، فأجابت بالإيجاب! وأكد الجميلي وجود معتقلَين سريَّين رهيبَين، على حد وصفه، أحدهما يتبع لواء بغداد والآخر يتبع جهاز مكافحة الإرهاب في المنطقة الخضراء، أي بإشراف المالكي.

هذا كله لم يحرك مسؤولا رفيعا واحدا من مؤسسات الدولة، ولم يحرك أميركا لشجب هذه الجرائم البشعة، كأن شرف العراقيين لا يهمهم! وكان على رئيس الوزراء التحقق مما حدث «شخصيا»، والخروج على الشعب باعتذار علني يبرئ نفسه من الفعل الشنيع «إن كان بريئا»، وليس محاولة الالتفاف على ما يقتضي من قرارات، ومحاولة قياديين من كتلته تسفيه الحالة وربطها بمتطلبات الأمن أو برغبة أطراف معينة في إسقاط الحكومة!

الإسلام يوصي بالصدق والإنصاف والعدل، وعدم ظلم الآخرين، ومنع التجاوز على الحرمات، وتجنب سَوق التهم جزافا، ويفرض تعويض المظلومين عما لحق بهم، وتحريم فرض تفسير بالقوة أو بسلطة الدولة. وهكذا من القواعد الإنسانية. فهل يبيح لكم فكركم الذي تدعون الناس إليه - يا فريق الحكم - التصرفات الظالمة تجاه الذين لا يشاطرونكم رؤيتكم؟ الشيء الأكيد أن الأجداد الذين تدّعون الاقتداء بهم براء من هذا النهج الذي تجسد في السجون السرية.

ألا يشعر كثير من السياسيين بالخجل من السكوت على هذا السلوك الشائن، خصوصا أولئك المحسوبين على قائمة التصدي للنظام السابق؟ أم أن الامتيازات تعمي الأبصار وتميت الضمائر؟ وأين هم خطباء الجمعة مما حدث، فيما يصدحون بأعلى صوت بما يسمونه التهديد البعثي؟

مما يثير السخرية، محاولة الحكومة تكريس فكرة المؤامرة في الإعلان عن السجن السري، فيما تمضي بكل الوسائل المتاحة للتأثير على نتائج الانتخابات ومحاولة إفراغ فوز العراقية من محتواه وذلك له أسبابه، أهمها: خشية فريق الحكم من المساءلة ومواجهة قضايا لها أول وليس لها آخر. ويعتقد أن البقاء في الحكم سيؤمن له الحصانة. ولاعتبارات فئوية، لكون خسارة الحكم ستؤدي إلى تفتيت كل ما بناه فريق الدعوة من هياكل لمصلحته على حساب التوازن الوطني. لذلك يقتضي الأمر حرمانه من المناصب الرئاسية لكي لا تكون وسيلة للمحافظة على تلك الهياكل، التي يفترض إخضاعها للمساءلة على خلفية قضايا سيظهر أنها أكثر خطورة من السجون السرية.

قيل إن الخليفة علي بن أبي طالب عندما لم يقع الاختيار عليه في المرحلة التي سبقت ولايته خضع للإرادة التي صاغت القرار، ولم يدفعه شعوره بالأحقية إلى ما هو أبعد من الاعتكاف في بيته. فلماذا لم تتعلموا الدرس منه إن كنتم عاجزين عن فهم المعاني الديمقراطية الحديثة؟

لو حصلت ممارسات السجون السرية في دولة لها تقاليد أخرى لأقام الإعلام الدنيا على رؤوس السياسيين، ولجرّعهم مرارة مساءلات قانونية لا تحيد عن الحق. فهل يفلت المذنبون في بغداد من تبعات هذه الجريمة وغيرها؟

المطلوب هو تحقيق دولي تشارك فيه منظمات دولية ومحققون مشرفون من مجلس الأمن. فالرد الدولي يمثل اختبارا حاسما لمدى الالتزام بالطروحات النظرية وتجنب ازدواجية المواقف. وحتى الآن لم يتحرك أحد كما ينبغي قانونيا وسياسيا لمعالجة هذا الملف الخطير، ليكون الفاعلون عبرة للآخرين. وقد يكون مناسبا تذكرة القائمة العراقية بأن من غير المناسب التحرك لتحقيق لقاء مع المالكي إلى أن يتخذ الخطوات اللازمة لإنصاف المظلومين في ملف نينوى على الأقل، ويبرئ ساحته مما حصل للشبان المظلومين. وبخلاف ذلك فإن المساومة معه ستقدم له صك براءة.