في هامبورغ يعشقون الفراعنة

TT

هل زرت مدينة هامبورغ في ألمانيا؟ إنها للحق واحدة من أجمل المدن الألمانية.

وبالنسبة لي، فإن أهمية المدينة تنحصر في أن الجامعة يوجد بها أهم قسم يدرس علم المصريات ليس في ألمانيا وحدها؛ بل في أوروبا كلها.. وفى هذا القسم تخرج كثير من الأثريين المصريين، ويوجد فيها علماء آثار أثروا في علم المصريات، ومنهم الأثري المعروف هارتفج آلتن مولر.. وقسم المصريات في الجامعة استطاع أن يضع علامات كثيرة في علم المصريات، وأشهر الموسوعات الأثرية ما يعرف لدى الأثريين باسم «Lexicon»، علم المصريات، الذي يعتبر من أهم المراجع التي يعتمد عليها علماء الآثار في العالم كله.

أما عن أهالي هامبورغ، فهم يعشقون الفراعنة.. وسحر الفراعنة، حتى إن هناك معرضا لآثار «توت عنخ آمون» ليس فيه قطعة واحدة أصلية.. ولكن المعرض عبارة عن تقليد كامل لآثار «توت عنخ آمون» الشهيرة.. ويمكن أن نشاهد حجرة الدفن التي عثر في داخلها على المومياء وتابوت الملك، وكذلك حجرة الكنز الشهيرة التي عثر فيها على مقصورة «أنوبيس»، والأجنة التي قمنا بدراستها خلال مشروع دراسة المومياوات الملكية واتضح أنها لبناة الفرعون الذهبي «توت عنخ آمون».

ويضم المتحف كذلك قطعا شهيرة مقلدة لآثار الملك الذهبي؛ منها القناع الشهير، وكرسي العرش، والعجلة الحربية.. ولن يستطع أي زائر أن يعرف أن هذه الآثار مقلدة إلا إذا كان دارسا لعلم المصريات. وكانت المفاجأة لي أن رسوم دخول هذا المعرض تبلغ 22 يورو، وقد زاره خلال أربعة أشهر نحو 200.000 ألف زائر. وسوف نطالبهم الآن بعد قانون الآثار الجديد بأن يغلقوا هذا المعرض أو يدفعوا نسبة إلى المجلس الأعلى للآثار من دخل المعرض ضمن قانون حماية الملكية الفكرية..

أما المفاجأة التي حزنت لها فهي.. أن الجامعة قررت أن تغلق قسم المصريات نظرا للحالة الاقتصادية التي تمر بها المدينة، التي اقتضت ضرورة إغلاق بعض المعاهد والأقسام، ولم يجدوا أمامهم غير قسم المصريات ليغلقوه، ولم يتصور المسؤولون في المدينة أو الجامعة أن يثور أهالي مدينة هامبورغ؛ بل ويقوموا بجمع توقيعات المواطنين. واستطاعوا جمع 66 ألف توقيع برفض إغلاق القسم، وبعد ذلك سوف يتم طرح الموضوع للانتخابات، وإذا رفضت الأغلبية إغلاق قسم المصريات في الجامعة فسوف يبقى القسم..

وأعتقد أن هذا ما سوف يحدث لقسم المصريات الذي أصبح حديث الناس في المطاعم والمقاهي وفى كل مكان.. الأمر الذي يدل على عظمة الفراعنة وكيف أنهم استطاعوا أن يغزوا قلوب الشعب الألماني.. وكيف أنهم في الوقت نفسه يقولون إن رأس «نفرتيتي» من حق مصر.. ويجب أن تعود إلى مصر..

أما المدرسة الألمانية في الآثار المصرية فهي تعتبر من أشهر مدارس علم المصريات.. وهناك كثير من العلماء الألمان الذين لهم بصمة في هذا العلم، ومنهم الأثري الشهير لبسيوس، الذي سجل آثار مصر من النوبة إلى الإسكندرية، وبورخاردت الذي عثر على رأس «نفرتيتي» في العمارنة، واستطاع أن يخدع الجميع ويحصل على الرأس عن طريق أكبر خدعة للتضليل في علم الآثار.. وهناك علماء آخرون لن ينسى علم المصريات فضلهم، وأعتقد أن شعب مدينة هامبورغ سوف يكسب المعركة ولن يتم إغلاق قسم دراسة الآثار المصرية في جامعة هامبورغ..!