رصف لا شعر يا إيليا

TT

مر ميخائيل نعيمة في رحلته الاغترابية الطويلة في فلسطين، ثم في روسيا، التي أحب أدبها وتعلم لغتها، ثم دخل الجامعة في ولاية الميسيسيبي ليدرس القانون والآداب. وعندما استقر في نيويورك وأصبح عضوا في «الرابطة القلمية» وجد أن رفاقه، باستثناء جبران خليل جبران، غارقون في التقليد، غير أكفياء الثقافة، ينْظمون النظم ولا يأتون الشعر، ويرصفون النثر ولا ينقلون المشاعر، ويكدسون الكلمات بعضها فوق بعض كما تكدس أكياس الطحين في ميناء نيويورك.

وقرر أن لا يتملق وأن لا يخدع. وعندما قرأ له ابن بلدته، بسكنتا، رشيد أيوب قصيدة من عمله، قال له إن هذه قصيدة، لكن لا شعر فيها. وشكره رشيد أيوب على صدقه. وحاول كثيرون أن يوغروا صدره على نعيمة، لكن الرجل كان يجيب بأن هذا النقد سيرفع مرتبته في الأدب. وهذا ما حدث، كما يتذكر نعيمة. فقد أصبح أيوب يعيد النظر في نظمه مرات عدة قبل أن يرسله إلى النشر.

وتكرر الأمر مع إيليا أبو ماضي، الذي سوف يصبح أهم شعراء الرابطة في تلك المرحلة. فعندما قرأ له أبو ماضي بعضا من ديوانه الأول سأله رأيه فيه قال له: «هذا شعر يحدّثني عن سليقة قوية وذاكرة حادة ومهارة في رصف الكلام والقوافي وضبط الأوزان، ولا شيء غير ذلك».

وسأله أبو ماضي: «وماذا تريد أكثر من ذلك؟»، فأجاب: «أريد أن يدخل الشعر نفسي فيبعث فيها إما القلق، أو الدهشة، أو الوحشة، أو الغبطة، أو الحزن، أو الشك، أو اليقين، أو النشوة بلمحة شاردة من الجمال. أريده أن يكون فلذة من كبد الشاعر لا رغوة من دماغه، أريده أن يزيد في ثروتي الروحية والجمالية بما فيه من قوة الروح والجمال لا أن يثير إعجابي بما فيه من متانة السبك وبراعة الصناعة وحسب. وديوانك هذا ليس شعرا يا إيليا». يروي نعيمة في «سبعون»، المذكرات التي وضعها عندما بلغ السبعين، كيف أثر ذلك في نفس أبو ماضي وإلى أي مدى انعكس ذلك على شعره حتى صار يقول: «أيهذا الشاكي، وما بك داء، كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟».

ويمتدح نعيمة التجديد عند أمين الريحاني، الذي بقي خارج الرابطة «لكن من الحيف إنكار فضله على الحركة الأدبية المهجرية في بدء نشأتها».