الصين.. وصلت!

TT

بسرعة ومن دون تفكير طويل، هل تستطيع أن تسمي الكثير من العلامات التجارية الصينية الناجحة؟ لعل أول ما سيخطر على بالك شركة «هاير» للأجهزة الكهربائية، وبعدها ستسمي «لونوفو» شركة الحاسب الآلي التي اشترت خط إنتاج أجهزة «آي بي إم» بالكامل، وتستعد لإطلاق هاتف ذكي جديد مبهر. وبعدها إذا ما عصرت ذاكرتك وركزت ستسمي شركة «هواوي» المعروفة بتجهيز تقنية الهواتف وأبراجها ومعداتها. وبعد ذلك قد تتذكر شركة «شيري» وشركة «جيلي» وغيرهما لإنتاج السيارات. وقد يكون من الصعب عليك تسمية شركات أخرى غيرها لأن الصين اليوم هي «مصنع» العالم. فالغالبية العظمى من الطاقة الإنتاجية بمصانع الصين تنتج للغير بعلامات الغير التجارية.

لكن ذلك مرشح لأن يتبدل وبقوة. فالصين استفادت من دروس النمور الآسيوية خصوصا «تايوان»، وهي دولة اهتمت بالتصنيع الرخيص حتى ارتبط اسمها بالنوعية رديئة الجودة، وبات يشار دوما للسلعة الرخيصة المقلدة على أنها «تايواني!»، في إشارة شاملة وكاملة إلى المقصود، وظلت ولا تزال تايوان تعاني من هذه الصورة الذهنية السلبية، ودفعت أرتالا من المال في حملات العلاقات العامة للخروج منها من دون فائدة. لكن طمع الصين اليوم كبير ويتخطى حدودها، فهي حريصة على أن يرتبط اسمها بالمنتج المتطور، والجيد، والمناسب سعرا، ولا تزال «صدمة» قطاع صناعة ألعاب الأطفال من اتهامات استخدام مادة الرصاص السامة في ألعاب الأطفال في الأذهان، وهم بالكاد بدأوا يفيقون منها.

الصين لا يزال محرك اقتصادها يعمل بقوة محققا معدلات نمو إعجازية تفوق العشرة في المائة سنويا، وهو الأعلى عالميا، وبدأت الصين اليوم في بسط نفوذها «الاقتصادي» عالميا بوجود «مهول» في آسيا، ووجود «مبهر» في أفريقيا، ووجود «متنام» في أميركا الجنوبية، ووجود «حذر» في أوروبا. ومع هذا الانتشار العالمي بدأت كلمة «إمبريالية» ترتبط بتوجه الصين، التي لم يعرف عنها أطماع ولا خطط توسعية من قبل، لكنها اليوم وبنظرة استراتيجية استباقية تتوقع ما يحدث، وتجهز له بجدية وقوة. فهي تعتقد أن حربا تجارية ضروسا آتية ولا شك مع الغرب، وتعتقد أن الصراع على تسعير عملتها ضد الدولار ستكون أولى الجولات، وكذلك تعتقد أن السيطرة على منابع الطاقة هي الحرب الخفية، وأن الغرب لديه الرغبة في السيطرة على العراق وأفغانستان ومن ثم إيران لتأمين النفط ومن ثم الغاز في هذه المناطق الثلاث النافذة في عالم النفط ومسار خطوط الغاز.

وهذا هو سبب حذر الصين الشديد في الموافقة على ضرب إيران والانسياق السريع لفرض عقوبات عليها، فهي أحد أهم مصادر الطاقة للصين. فما هي إحدى أهم الخطوات التي ستقدم عليها الصين؟ ستلجأ للمدرسة القديمة والطرق الأولية، ستركز على السكك الحديدية، مثلما كانت لبريطانيا العظمى شبكة سكة حديد مهولة تربط أفريقيا، وأخرى تربط شبه القارة الهندية ومستعمراتها، وكذلك مثلما كانت لروسيا شبكة مهولة تربط مدنها ومناطقها عبر الخط العابر لقزوين بتشعباته الذي كان يربط قلب روسيا وتركمانستان وسواحل قزوين عبر كازاخستان.

اليوم الصين لديها خطة «خيالية» بحلول عام 2013، حيث ترغب في أن يكون لديها 800 قطار شديد السرعة تربط كل مدنها بعضها ببعض حتى تصل لأوروبا وتحديدا ألمانيا وبريطانيا، وخط آخر يمتد في آسيا ليربطها بفيتنام وتايلاند وبورما وماليزيا وسنغافورة. وسرعة القطارات ستكون 350 كيلومترا في الساعة، أي أسرع من القطارات السريعة في أوروبا واليابان. والصين تعتقد أن هذه الشبكة ستغير الأمر الواقع على الأرض، وتنشر «الصين» بشرا وبضاعة في كل أنحاء العالم لتكون إمبريالية ناعمة بلا سلاح ولا دمار، والصينيون كعدد قادرون على الانتشار، يساعدهم وجود جالية صينية منتشرة في العالم. العالم العربي بدأ يعي هذا الشيء، فالصينيون في كل مكان، من أبها إلى السويس إلى أم درمان إلى وهران. إنه العصر الصيني.. استعدوا!

[email protected]