حروب نفسية

TT

تنجح إسرائيل دائما في جرنا لحروب هامشية بعيدة عن القضايا الجوهرية كحروب «الحمص» و«الفلافل» الدائرة رحاها الآن بين الطهاة اللبنانيين، وبين جناح الحرب النفسية من المخابرات الإسرائيلية، لأنني أشك أن يكون الطهاة الإسرائيليون هم من شغلوا أنفسهم بمنافستنا في إعداد أكبر عجينة «فلافل» أو الادعاء بأبوة «الحمص»، ولكنها لعبة الجذب إلى الملعب الهامشي «الرديف» لتشتيت انتباهنا عما يحدث في المعلب الأساسي، وإلا فلماذا نهتم - كعرب - بمنافسة إسرائيل في قضايا «الحمص» و«الفلافل»، ونترك المنافسة في ميادين الصناعة، والبحث العلمي، والتفوق العسكري والجامعي، وغيرها من الميادين الجديرة بالمنافسة التي ينبغي أن تكون لها الأولوية في مجالات السباق بيننا وبين الإسرائيليين.

لو كانت المسألة تنحصر في استعادة أبوّة «الحمص» و«الفلافل» و«التبولة» و«الفتوش» لهان الأمر، فالأخطر والأهم والأعظم أن ننشغل - عربيا - باستعادتها بدلا من استعادة القدس والجولان ومزارع شبعا وغيرها من أراضينا المحتلة، وإن كان الواقع يشير إلى أن تلك الأطباق لم تغادرنا قط، رغم أنف موسوعة «غينيس»، إذ لم نزل نصبّح ونمسّي على أطباق «الحمص» و«الفلافل» و«الفول»، وما أدراكم بما فعله فينا الفول!

حكايتنا ونحن نهتم بالهوامش على حساب الجوهر تشبه، إلى حد كبير، الأهزوجة التي تقول:

«سرقوا الصندوق يا أبو لمعة

لكن مفتاحه معايا».

وتقترب من حكاية الرجل الذي وصف له أحدهم وصفة لعلاج عجزه مكونة من مقادير محددة من شرش الزلوع، وحبة البركة، وبودرة الجنسنغ، وعسل السدر، وغذاء ملكات النحل، فابتاع كل هذه الأشياء، ووضعها في لفافة، بينما احتفظ بوصفة المقادير في جيبه، وفي الطريق حينما اختطف الغراب اللفافة وطار، سقط الرجل مغشيا عليه من الضحك، وهو يتذكر خيبة أمل الغراب عندما يفاجأ بعدم وجود وصفة المقادير داخل اللفافة!

ليس ثمة شك في أن إسرائيل تمارس علينا حربا نفسية لإحراجنا وإرباكنا حينا، ولإشغالنا بالهامش حينا آخر، وقد يندرج ضمن هذه الحرب غرس المطربة «رحيلا» في مشتل ذوقنا الفني لتغنّي لنا بالعربية أغنيات مثل: «يا طيب القلب»، و«تذكار»، و«بشروني عنك»، وبعد أن نبتلع الطعم بتقبلها ومقابلتها، تظهر لنا المغنية الحسناء من نافذة إحدى القنوات الفضائية الإسرائيلية تتحدث بالعبرية، ووجه المذيع الإسرائيلي طافح بالشماتة ليقول لنا إن «رحيلا» تحدثكم هذه المرة من تل أبيب!

[email protected]