قصر الباشا الذي يتحدى ذل الأسر!

TT

هو واحد من أعظم قصور الزمن الجميل.. وإذا أردنا أن نعطيه حقه، فإنه أحد أجمل وأهم القصور الإسلامية التي تعود إلى العصر المملوكي، وأهميته ترجع إلى كونه القصر الوحيد الباقي من قصور مدينة غزة التي لا تزال تئن تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي ومن بعده الحصار الدامي من قبل إسرائيل، الذي يقف حاليا عائقا أمام ترميم هذا القصر الشامخ.

أيضا يعاني القصر مثلما تعاني قصور مماثلة في بلادنا العربية، وخصوصا في مصر، من استعمالها كمدارس، وقد كان قصر الباشا مستعملا كمدرسة يطلق عليها «مدرسة الزهراء الثانوية للبنات»، وقد استعملوا بعض غرف القصر كمكاتب إدارية للمدرسة، وذلك منذ أن كانت غزة خاضعة للحكم المصري.

ويطلقون على قصر الباشا الكثير من الأسماء التي سمي بها عبر العصور المختلفة منذ زمن بنائه وإلى الآن، فكان القصر يعرف باسم «قصر النائب» لأن نائب غزة كان يتخذه مقرا له خلال العصر المملوكي، وأطلق عليه كذلك «قصر نابليون» لأن القائد الفرنسي أقام به لمدة ثلاثة أيام وهو في طريقه لغزو عكا، ولعل من أجمل أسماء القصر «قصر الرضوان» نسبة إلى أحد حكام غزة، وكذلك أُطلق عليه «دار السعادة» و«الدار العظيمة».. وكان القصر مستخدما كمقر للشرطة في أثناء فترة الانتداب البريطاني.

وإذا دخلنا القصر نجده يتكون من طابقين، الطابق السفلي يضم ثلاث قاعات رئيسية تسمى بأسماء المدن الفلسطينية، فهناك قاعة القدس، وهذه قاعة يافا، وتلك قاعة حيفا. أما قاعتا عكا والرملة فتقعان في الطابق العلوي، إضافة إلى عدد من الردهات والمباني الخدمية داخل القصر، الذي تحول الآن إلى متحف يضم آثارا من مختلف العصور الإسلامية وبعضها يرجع إلى العصور القديمة.

وأهم الآثار التي يضمها القصر تعود إلى العصر اليوناني الروماني والبيزنطي والعصر الإسلامي، خصوصا الفترة الأيوبية والمملوكية والعثمانية.. وأهم زخارف القصر نجدها في الواجهة المميزة ذات العقود والزخارف التي تسمى في مصر بزخرفة الوسائد، وفي بلاد الشام بزخارف «أكعاب الكتب».. وتشبه عمارة القصر عمارة الحصون، ولذلك تم تشبيهه بالحصن، وقد تعرض قصر الباشا إلى عدد من النكبات سواء طبيعية ممثلة في الزلازل ومياه السيول، أو البشرية حيث تعرض لحريق متعمد أشعله بعض المستوطنين اليهود.

وكذلك تأثرت بنايته خلال الاجتياح الأخير لغزة.. وقد أعيد بناء وترميم قصر الباشا عدة مرات قديما خلال العصر المملوكي والعثماني.. ومنذ عام 1947 والقصر أصبح مكانا يرتاده السائحون إلى أن خضعت غزة للإدارة المصرية، ويستعمل القصر كمدرسة تحمل اسم «الأميرة فريال» ابنة الملك فاروق، وتغير الاسم إلى «مدرسة الزهراء» بعد قيام ثورة يوليو عام 1952.

وحاليا فإن دائرة الآثار والتراث في غزة هي الجهة المسؤولة عن الحفاظ على هذا الأثر الفريد بالإمكانيات البسيطة جدا المتاحة لها.. وقد نجحت الدائرة في إعادة جمال القصر وهيئته الأثرية، خصوصا بعد أن تم فصل المباني الحديثة للمدرسة عن القصر.

وفي اعتقادي أن ما يقوم به قطاع الآثار في غزة وموظفوه ملحمة حقيقية لإبقائه على قيد الحياة.. لا بد من أن نكتب عنها، فهؤلاء الرجال يعملون بما يتوفر لهم من إمكانيات تكاد تكون منعدمة، بكل حب وإخلاص من أجل إنقاذ آثار المدينة الحزينة، للأجيال القادمة لعلها تكون أكثر حظا وتستمتع بتاريخ وتراث مدينتهم.

هل يعقل مثلا أن لا يجد المسؤولون عن الآثار في غزة ما يحفظون فيه آثارهم فيضطر أحدهم كما حكى لي أن يحتفظ بصناديق الفاكهة الفارغة لكي يضع فيها آثارا هي كل ما تبقى من تراث عظيم؟!.. يا له من زمن!