جدل حول أول مسبح للعراة في تركيا

TT

في الوقت الذي كانت فيه مجموعة من الشبان تداهم بعض واجهات محلات بيع ألبسة البحر في أهم شوارع العاصمة التركية أنقرة وتدهن بالطلاء الأسود صور عارضات بمايوهات لا تستر الكثير، كان أحد الفنادق الصغيرة الواقع على مقربة من بلدة داتشا السياحية التي تجمع مياه المتوسط وإيجة التركيين جنوب غربي تركيا يضع اللمسات الأخيرة على تدشين أول مسبح للعراة في تركيا.

وفي الوقت الذي كانت فيه حكومة «العدالة والتنمية» التركية تخوض حربا طاحنة تحت سقف البرلمان التركي لتمرير مواد تعديل الدستور الجديد للبلاد، وكانت غالبية الأتراك تتابع عن قرب مسائل سياسية وأمنية داخلية حساسة يتقدمها ملاحقات ملف منظمة أرغنيكون السرية المتهمة بالتخطيط للقيام بضربة تطيح بحكومة أردوغان وموضوع تجدد العمليات الهجومية التي يشنها حزب العمال الكردستاني، كانت القافلة الأولى من السياح الوافدين إلى الفندق منهمكة بتفريغ حقائبها استعدادا لدخول البحر عراة تماما.ولا أحد من السياسيين في هذا الطرف أو ذاك يعلق على المسألة كما تابعنا حتى الآن، والإعلام يتوقف أكثر عند الجوانب الدعائية التسويقية. فيبدو أن هذه الإباحية لها علاقة مباشرة بالانفتاح والحداثة وتعزيز أرقام العائدات السياحية وتوجيه الرسائل إلى الغرب والاتحاد الأوروبي لتذكيره بتبني الكثير من معاييره، قبل أن تكون تعنينا بأبعادها الأخلاقية والاجتماعية والدينية، وحتى ولو كانت الخطوة شفافة إلى أبعد الحدود ولا تحتاج إلى ورقة التوت للتستر كما صورت لنا الأفلام.

بإيجاز، أكثر أنصار الفكرة يقولون إن مشروعهم التجاري هذا موجه نحو فئة من طبقة الأغنياء، سيكون لهم ما يريدونه ولكن ضمن أماكن محصورة شديدة المراقبة. هذا اختيارهم هم ونمط عيشهم، وعلينا أن نقبل ذلك، خصوصا إذا لم يكن يعيق أو يؤثر على نمط عيشنا. نحن نتقاسم مع الجزر اليونانية الواقعة في الطرف المقابل البحر الواحد والشمس الواحدة لكننا مع الأسف لا نحظى بنسبة السياح ذاتها. هم عبر الكثير من الفنادق المماثلة يحصلون على الحصة الأكبر. لذا فعلينا أن ندخل في منافسة مشابهة إذا ما كنا نريد جلب السياح إلى مناطقنا.

الفندق الذي يحتوي على 175 سريرا فقط، وكانت إدارته رغم صغر حجمه تصطاد الذباب، كما فهمنا، العام المنصرم بسبب ندرة الوافدين، يواجه اليوم مشكلة توفير الأماكن للعشرات الراغبين في الحضور. وهم الآن على لائحة الانتظار بعد هذه الحملة الاستراتيجية التي تعني أصحاب المشروع بالدرجة الأولى وغايتها الربح المادي قبل أي شيء. لا أماكن شاغرة ولا حجوزات وعلى الراغبين في الحضور الانتظار حتى الموسم المقبل. والإدارة تنصح هنا بالإسراع في حجز الغرف خلال فصل الشتاء إذا ما كان البعض يريد التضامن سياحيا مع تركيا من خلال زيارة المكان.

أحد الشبان الأتراك الغيورين على سمعة السياحة التركية كتب إلى إدارة المكان يبدي استعداده للعمل وبالمجان طيلة موسم الصيف. تركي آخر هدد بالتوجه إلى محكمة العدل الأوروبية للمطالبة بحق المساواة مع الآخرين في ارتياد المكان والاستفادة من خدماته. النزل موجود على أرض تركية والمعاملة ينبغي ألا تكون مخالفة لحقوق الإنسان وحق المساواة بعيدا عن أي تمييز عرقي أو جنسي أو انتمائي.

أكثر ما يقلقنا هو أن يتزايد عدد الحشريين والفضوليين والطفيليين الذين سيحومون حول المكان ليلا نهارا برا وبحرا وجوا إذا أمكن، خصوصا وأن إدارة الفندق متمسكة بلغة الحوار لحل أي مشكلات قد تقع بين الداخل والخارج. لكننا مع ذلك ما زلنا نراهن على تحريك القانون الجزائي التركي الذي يحظر الإباحية في الأماكن العامة ويقر أن السواحل العامة ينبغي أن تظل مفتوحة ومشرعة أمام الراغبين لوضع حد لما يجري إذا ما ظلت السلطات المحلية والمركزية بعيدة عن تحديد موقفها وخيارها وقرارها لتجنب إغضاب الوافدين، وبالتالي الأوروبيين الذين ينبغي أن يعودوا سعداء باسم التقارب التركي الأوروبي حتى ولو كان ما يجري يتم على حساب عاداتنا وتقاليدنا وتعاليمنا.

* كاتب وأكاديمي تركي