ديوان النقائص الكبرى

TT

صدرت في بيروت دراسة أخرى عن الشاعر سعيد عقل بقلم هند أديب. ولا أدري كم لا يزال سعيد عقل المُشارف على المائة، مهمًا عند سواء القراء العرب أو حتى اللبنانيين، هو الذي بلغ ذروة شهرته في منتصف القرن الماضي. ولكن كتاب «شعرية سعيد عقل» سوف يحل في مراتب البحث والنقد الأدبي محل الكتب الريادية المؤسسة، وسوف يكون - وأعتذر عن هذا الجزم - زاوية جديدة في زوايا النقد. وينصح للأساتذة وطلاب الدكتوراه معا، أن يقرأوا الكتاب، أو أن يفرض عليهم في البرامج، بحيث يخجلون بعد اليوم من قبول الأطروحات الهزيلة، التي لا تشرف واضعها ولا مناقشها.

يدرس «شعرية سعيد عقل» كما يومئ العنوان، مراحل الرجل الشعرية ودواوينه وقصائده. لكنه يترك لمن يلي، سيرة سعيد عقل الشخصية، المثيرة والمعقدة والمتناقضة والمليئة «بأشياء الجمال»، كما في كتاب الدكتور جوزف صايغ، كما المليئة بالهزليات والأحلام المضحكة والسقطات السياسية القاتلة، كما يقول الناقد الكبير عبده وازن.

كان سعيد عقل مزيجا من شاعر يكتب «رندلى» أو «غنيت مكة» ومن حالم مضحك، جدا مضحك، يريد من اللبنانيين سبق السوفيات إلى الزهرة. وقد أسكره حب فينيقيا حتى خيل له أنها لا تزال حية في وليدها الهزيل، المعروف بالجمهورية اللبنانية. وفي سبيل تمييز لبنان عن محيطه، أراد إنشاء «لغا للبنانيين» هي عبارة عن عامية سقيمة، كما أراد أن تكتب هذه اللغة البليدة بالحرف اللاتيني للمزيد من إبعادها عن لغة القرآن. ونادرا ما عرف الشعر والنثر لغويا مثل سعيد عقل ولا يمكن أن يعرفا كارها للغة مثله.

كان يضحكنا سعيد عقل خصوصا في أحلامه ومشاريعه الاقتصادية لإنماء لبنان، لكن بعضها كان مستقبليا وعظيما وعلميا، خصوصا في استثمار الثروة المائية. ومن مضحكاته قوله للزميلة حنان عاد عام 2004 إنه من الممكن جعل دخل قلعة بعلبك من السياحة نصف دخل باريس. وسوف يؤدي ذلك إلى جعل دخل الفرد اللبناني 48 ألف دولار في السنة مقابل 32 ألف دولار للأميركي. «وهذا يمكننا من التحنين على دول فقيرة. أميركا تمد مصر بأربعة مليارات دولار أحيانا، أما نحن فقد نتمكن من مدها بعشرة مليارات. يجهل الناس أن بعلبك أجمل تحفة في العالم، إلا قلة من أربعة أو خمسة بينهم أنا وشارل قرم».