درس من لندن وآخر من الصين

TT

تملك صديق لنا بيتا فوق الدرجة المتوسطة بقليل، في منطقة فوق الفئة المتوسطة بقليل. وذات يوم شكا له ابنه من أن امرأة غريبة الأطوار أو مغفلة استوقفته لدى عودته من المدرسة، وقالت له إن هذا البيت كان لها ذات يوم، وإنها كانت سكرتيرة الجنرال ديغول يوم كان في لندن. وبعد فترة شكت الابنة من المرأة التي استوقفتها وكررت المشهد نفسه. وقرر الرجل أن ينتظر أولاده لدى عودتهم. وشاهد امرأة متقدمة في السن، بسيطة المظهر، حزينة المعالم، تتقدم من أحدهم وتقول له: «هل تعرف أنك تسكن في بيتي؟».

وتقدم الأب من المرأة المسكينة وقال لها بكل أدب: «يا سيدتي، لقد كان هذا بيتك منذ أربعين عاما. وهو بيتنا منذ عشرة أعوام. وقد اشتريته بما وفرت من مال خلال ثلاثين عاما. إنني أفهم جيدا معنى الخسائر. لقد خسرت وطني أنا أيضا. وخسرت بيتي، ولم يدفع لي ثمنه أحد، بل جاء إنسان غريب عن بلدي وأرضي واحتله، واحتل ذكريات صباي، وأحرق صورة أمي وأبي، ويمنعني حتى من الوقوف قرب البيت مثلك والشكوى إلى أبنائه».

نحن أمة مثل سكرتيرة ديغول في لندن، نستوقف الناس ونقول لهم إننا كنا أمة ذات أمجاد. ونخبرهم بأن أرضنا يحتلها الغرباء وتقام فيها القواعد العسكرية. وآخر شيء نفاخر به عمره أكثر من مائة عام. والباقي هزائم وحروب أهلية وتكاره وحقد وفقر ومجاعات وهجرات وأطلال. وليس مصادفة أن أطلال امرئ القيس هي أول قصيدة تدرس في الأدب الجاهلي.

سألت أستاذا صينيا عن سبب تفوق الطالب الصيني. قال، لأن عليه أن يدرس تاريخه جيدا. أن يعرف كل شيء عنه. أن يحفظ آدابه وحكمه. وفي النهاية تأتي الأمثولة الاستخلاصية الكبرى: هذا هو الماضي. المستقبل شيء آخر تماما. إنه سباق وبقاء. سباق مع الناجحين لا مع الخاملين. سباق نحو المرتبة الأولى. ويتعلم الصيني أن العاديين والخاملين والبلداء وخواة الطموح، هم قوت الانقراض. يتعلم ذلك ويحفظه جيدا.