تركيا وعقدة البحث عن دور

TT

تصدرت تركيا الأخبار من جديد بعد الاتفاق الموقع في طهران الذي بموجبه ستقوم إيران بإرسال بعض من اليورانيوم إلى تركيا، وهو الاتفاق الذي اعتبر حيلة إيرانية لتعطيل عجلة العقوبات الجديدة. وعليه عاد السؤال المكرر: ما الذي تريده تركيا؟

جل الإجابات تصب بأنها عودة العثمانية، أو كما نقل الكاتب الأميركي في «وول ستريت جورنال» برت ستيفن عن بعض الأتراك بأنها «العثمانية الجديدة». فإذا كانت العثمانية الجديدة، فكيف يمكن استيعاب التفهم التركي للموقف الإيراني حيال الملف النووي، فعودة العثمانية تعني ضعف النفوذ الفارسي، مع علاقات تركية - غربية، قوية، وتحديدا أميركا! وبالطبع فإن صورة تركيا اليوم، غربيا، وعربيا، تزداد تعقيدا.

الكاتب برت ستيفن في مقاله (11 مايو (أيار) الحالي) المعنون بـ«ما الذي يحدث لتركيا؟» نقل عن برنارد لويس قوله إن تركيا الأتاتوركية باتت أقرب إلى إيران الإسلامية. وهذا أمر يناقض أيضا منطق عودة العثمانية، خصوصا مع الطموح التركي للانضمام للاتحاد الأوروبي. يقول لي مسؤول عربي، على اطلاع بالملف التركي، إن تركيا «هي الكتلة المواجهة لإيران وتمددها بالمنطقة»، وإنها «ليس لديها طموح للتوسع الجغرافي، وإنما البحث عن دور مؤثر». وهذا صحيح.

جميع المؤشرات تقول إن تركيا تبحث عن دور أكثر من كونها تسعى لعودة الخلافة الإسلامية، وأبسط مثال هنا ما كتبه الكاتب التركي سميح إيديز في صحيفة «حرييت» التركية يشرح فيه موقف أردوغان الغاضب من إيران قبل أن يعدل ويسافر لطهران من أجل توقيع الاتفاق، حيث يقول «كان هناك بعض من خيبة الأمل عندما قالت طهران إنها تقبل بوساطة البرازيل بينما كانت ترفض قبول أي وساطة رغم الجهود التركية». وهذا ما يتفق معه المسؤول العربي حيث يقول إن أردوغان لا يريد أن يأتي الرئيس البرازيلي البعيد عن المنطقة ليخطف دور تركيا.

ولذا فإنها عقدة الدور، المستشرية بمنطقتنا، التي تحرك تركيا، أكثر من كونها عودة العثمانية. فتركيا تريد التوسط بين إسرائيل وسورية، في ظل علاقات متوترة مع إسرائيل بنفس الوقت، وتريد الانضمام للاتحاد الأوروبي، لكنها تلعب دور المعطل في فرض عقوبات على إيران، بل وأحرجت الرئيس الأميركي. كل ذلك يظهر أن الأتراك ضحية عقدة الدور، أكثر من كونهم ينطلقون من رؤية واضحة، خصوصا وأن تركيا تؤمن بما يسميه وزير خارجيتها «تصفير المشاكل» وهذا تبسيط سياسي.

يقول المسؤول العربي إن تركيا «اندفعت كثيرا في اتفاق إيران، وقد تدفع ثمنا لذلك». وهذه حقيقة، إلا أن هناك من يتساءل أيضا: لماذا يبارك بعض العرب الدور التركي في المنطقة، حتى وهو يقوم بمقام المحلل للمشروع الإيراني؟ الإجابة تأتي «نثق بتركيا السنية أكثر من إيران الشيعية»؛ وقد لا تكون هذه الإجابة مقنعة سياسيا. فمن يعلم ما إذا كان بعض العرب يريد بذكاء أن يلقن الأتراك درسا بأن يفتحوا لهم الباب على مصراعيه للغرق في كل ملفات المنطقة، من باب «تفضلوا وأرونا شطارتكم»! فالمراهنة على مصداقية إيران تعتبر مغامرة سياسية غير مأمونة العواقب. لكنها، وكما أسلفنا، عقدة البحث عن دور.

[email protected]