حلان: ممكن ومستحيل

TT

يبدو أن للأستاذ سمير صنبر، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة على مدى سنوات، ومساعد الأمناء العامين من يوثانت إلى كوفي أنان، يبدو أن له حظا ليس لسواه. لقد نقله إلى موعدنا للغداء سائق من دارفور، والأهم من ذلك من الفاشر في دارفور.

وكما يحدث في أي سيارة تاكسي في العالم، نظر السائق إلى الراكب في المرآة، وسأله من أين هو. وأدرك صنبر المقيم في نيويورك منذ 43 عاما، أن في ذلك دعوة إلى الحوار، فأراد أن يختصر، ولذلك لم يقل إنه فلسطيني الأصل، بل أجاب بأنه من لبنان.

وتأمله السائق الذي من الفاشر في دارفور في المرآة في سخرية فاقعة، وقال: «ها. من لبنان، وكيف الحال عندكم في لبنان؟». وتذكر صنبر أن مستشار الرئيس السوداني مصطفى إسماعيل كان أحد الوسطاء في الأزمة اللبنانية، فأجاب باحترام شديد: «الحمد لله. الوضع كويس».

وتطلع السائق القادم من الفاشر ودارفور وبلاد الجنجويد في المرآة، متأملا وجه ضيفه، وعاد يقول بشماتة مغلفة وعربية واضحة: «كويس إيه يا أستاذ؟ أنتم أسوأ منا بكثير. بلاش كويس دي. نحن في دارفور، والحمد لله، قبائل قبائل.. لا ندعي العلم ولا الجامعات ولا الجاه.. قبائل بدائية نتقاتل على الماء والكلأ. هل لك أن تشرح لي على ماذا تتقاتل القبائل اللبنانية. إنني أحلفك أن تجيب: هل تعرف أنت حقا ما مشكلة لبنان؟».

وتململ الرجل في مقعده الخلفي. لقد تحولت المسافة القصيرة في زحام نيويورك إلى محاكمة، وتذكر أربعين عاما من العمل السياسي في الأمم المتحدة، مغلفة بالدبلوماسيات والمصطلحات القانونية، وإذا به أمام - من بين شعوب الأرض - سائق من دارفور، يحاول أن يشرح له لماذا لقضية دارفور حل، وليس للبنان أي أمل في أي حل.

وحاول الصحافي والدبلوماسي السابق أن يشرح للسائق الذي من دارفور، أنه ربما يكون للبنان أمل ما، إن لم يكن في هذا العالم ففي العالم الآخر. لكن الدارفوري الواسع الاطلاع كان يصر على المفارقة، وعلى المفارقة بين نوعين من القبائل؛ نوع قابل للتفاهم، وآخر.. العياذ بالله. النوع الأول في دارفور.