الحملة الأميركية الجديدة من «القاعدة» إلى إيران

TT

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» في 25 مايو (أيار) الحالي، تقريرا عما اعتبرته خطة ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية، «الجديدة» لوقف انتشار «القاعدة» وتدميرها في القرن الأفريقي وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والمحيط الهندي وشرق آسيا. وتقتضي الخطة استخدام القوات الخاصة والاستخبارات والقوى المحلية ورجال الأعمال و«السياح» وسائر العناصر الممكنة، وشتى الوسائل. وقد اعتبر المراقبون اندلاعَ العنف بالصومال من جديد، وما حدث بمأرب باليمن، وصولا إلى رد الفعل على اتفاقية التبادل للتخصيب التي انعقدت بين إيران وتركيا والبرازيل؛ كل ذلك أجزاء مترابطة في الخطة العتيدة.

ففي الصومال، اندفع مقاتلو «أهل السنة» الذين تحالفوا مع الحكومة المؤقتة لمواجهة «شباب المجاهدين» المتحالفين مع «القاعدة». ورد «شباب المجاهدين» باستهداف القصر الجمهوري. وفي اليمن نفذت طائرة هليكوبتر بمحافظة مأرب هجوما على سيارتين، أدى إلى مقتل نائب محافظ مأرب، الذي يقال إنه كان يتفاوض مع عناصر من «القاعدة» بالمنطقة لكي يستسلموا للحكومة. وردت قبيلة عبيدة اليمنية بمأرب على هجوم المروحية العسكرية بالاصطدام بقوات الحكومة بالمنطقة، وتفجير أنبوب النفط هناك. وعندما نجحت كل من تركيا والبرازيل في إقناع إيران بالتبادل التخصيبي خارج حدودها أخيرا - كما هو المطلب الأميركي والدولي - ردت الولايات المتحدة، بدلا من الترحيب بما جرى، بتقديم مشروع العقوبات العتيد لمناقشته في مجلس الأمن. وكأنما ذلك كله لم يكن كافيا؛ فإن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية أَقبلتا على إجراء مناورات كبرى في بحر الصين، ردا على إغراق كوريا الشمالية زورقا كوريا جنوبيا اعتبرته مخترقا لمجالها البحري. ولا تزال القوات الأميركية والأطلسية تعد لهجوم منتظر منذ أشهر لتطهير قندهار ومحيطها بأفغانستان من طالبان و«القاعدة»؛ بينما لا تزال المواجهات دائرة بوزيرستان الباكستانية. وفي الوقت الذي بدأت فيه إسرائيل، بالتساوق مع التفاوض غير المباشر مع السلطة الفلسطينية، مناورات ضخمة حافلة بالتهديد والوعيد، تسربت تقارير عن التعاون النووي القديم في السبعينات بينها وبين جنوب أفريقيا العنصرية آنذاك. وهذا في الوقت الذي تعلن فيه وكالة الطاقة النووية عن نيتها مناقشة ملف إسرائيل النووي في اجتماعها المقبل.

وأيا يكن قدر الترابط بين هذه الأحداث والوقائع؛ فالذي يبدو أن هذه التفجيرات في عدة أماكن متباعدة - لا تقع جميعا تحت سيطرة قيادة بترايوس - جاءت نتيجة ضغوط سرية وعلنية لاستيعاب ظواهر الانتشار والتمرد والاستعصاء والتصدي لها، سواء أكانت «خلايا نائمة» أو عاملة وفاعلة، أو دولا عاصية. والواقع أن الشهور المنقضية من عام 2010 شهدت إعاقات جدية للسطوة الأميركية بالمنطقة والمشرق. فـ«القاعدة» توطنت في الصومال واليمن. وإيران وإسرائيل استعصتا على كل جهود جذبهما لطاولة المفاوضات. والعنف لم يهدأْ في كل من أفغانستان وباكستان والعراق والسودان. ولا ينبغي بالطبع اعتبار الولايات المتحدة قادرة على كل شيء، سواء بالعسكر أو بالدبلوماسية. إنما الذي يبدو أن إدارة أوباما تعتمد تكتيكا كانت إدارة بوش قد احتقرته وتجاهلته. عمدت إدارة بوش للتدخل المباشر العسكري والسياسي في كل مكان. وبدا لأول وهلة أنها تحقق نجاحات معتبرة. لكن منذ عام 2005 بدأت الخروقات والانتكاسات في الظهور.

فتشكلت لجنة بيكر/هاملتون عام 2006 لمراجعة السياسات والاستراتيجيات، وبدأ تأثير اقتراحاتها في العراق عام 2007 عندما اخترع بترايوس قائد القوات هناك آنذاك: الصحوات. والصحوات ضمت عشرات الأُلوف من العناصر القَبَلية المحلية، التي عُهد إليها بالتصدي لخلايا «القاعدة» ونشاطاتها. وينبغي ألا ننسى في هذا الصدد أن وزير الدفاع الأميركي الحالي غيتس كان عضوا في لجنة بيكر/هاملتون، وجاء بعد رامسفيلد لتنفيذ الخطط الجديدة. والخطط أو الخطة الجديدة تعتمد أُسلوب التعاون مع العناصر المحلية لمواجهة ظواهر العنف والتمرد، ودفع المعادين للولايات المتحدة والمعارضين لسيطرتها للتفكير مرتين أو مواجهة الموت. وإلى جانب غيتس صار بترايوس - بعد أن انخفض العنف بالعراق - قائدا للقيادة المركزية، لتنفيذ سياسات استخدام العناصر المحلية في كل مكان، وليس العراق وحده. فالخطط هذه من وضْع العسكريين الأميركيين أواخر أيام بوش، وهم الذين ينفذونها، وليس بينهم مدني غير جورج ميتشل الذي فاوض ويفاوض في الملف الفلسطيني - الإسرائيلي.

والعناصر المحلية في الصومال قوات الحكومة المؤقتة، والتنظيمات الصغيرة الأُخرى التي تضررت من استيلاء «شباب المجاهدين» على المشهد والأرض. وقد كان هناك من اقترح إعادة الإثيوبيين إلى الصومال أو زيادة عدد القوات الأفريقية. لكن الأميركيين يريدون تجربة استخدام العناصر المحلية التي نجحوا معها في العراق. أما في اليمن، فقد اعتمد الأميركيون أسلوب القوات الخاصة، والعمليات السرية، في المواطن التي لا تنفع فيها القوات الحكومية. والمنتظر أن يكسبوا بعض القوى القَبلية في الجهات التي انتشرت فيها «القاعدة»، وإن بدا ذلك صعبا حتى الآن في اليمن، كما في جبال باكستان وأفغانستان. وحتى في ملفي التفاوض بالشرق الأوسط (مع إيران ومع إسرائيل)، جرى استخدام قوة محلية أو إقليمية وهي تركيا.

وقد حققت تركيا حتى الآن عدة إنجازات: فقد جلبت السوريين والإسرائيليين إلى مفاوضات غير مباشرة عامي 2007 و2008. وقد تنجح في ذلك مرة أُخرى. كما أن تركيا - بتحالفها مع سورية - جعلت السوريين يحسون بالأمان وبعض القدرة على الحراك. وها هم يحققون نجاحا مع إيران، وإن لم تر الولايات المتحدة ذلك كافيا. إنما لا مخرج من الأزمة إلا بهذا الأُسلوب، أو ترتفع من جديد أخطار الحرب. وقد لوحوا لإسرائيل بالنووي، وربما يضغطون على نتنياهو واليمين - إن لم تَسِر المفاوضات على ما يُرام - بالعناصر المحلية مثل باراك وليفني. وعندما شكا نتنياهو من ضغوط ميتشل قبل شهور قيل له إن الضغوط هي من أجل السلام لإسرائيل وضمان مستقبلها، أو تحدث الحروب، التي كسبتها إسرائيل من قبل دون أن تأمن في الحاضر، فكيف بالمستقبل؟!

إن المقاربة الأميركية الجديدة لكل الملفات - حتى في مسائل «القاعدة» والحرب على الإرهاب - حصدت حتى الآن بعض النتائج المثمرة، وأُعيقت في مسائل أُخرى. لذا فإن الخطة الجديدة لبترايوس - من ضمن المقاربة العامة بالطبع - تأتي لمحاولة تجاوز الإعاقات؛ وبخاصة ما يتعلق باستمرار «القاعدة» في الانتشار، والفشل - خارج العراق - في القضاء على كبارها. ويقول غيتس وبترايوس (وغيتس على وجه الخصوص) إنهما يعطيان لنفسيهما فُرصة إلى نهاية هذا العام. وهناك من يراهن على أن دولةً فلسطينيةً سيعلن عن قيامها (دوليا) في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من هذا العام، وأن الصومال واليمن (وربما أفغانستان أيضا) ستتحسن فيهما الأوضاع بشكل ملموس في الفترة نفسها. وقد لا تنصلح العلاقات مع إيران خلال ستة أشهر، كما أن التفاؤلات الأُخرى قد لا تجد تصديقا بارزا لها. لكن المشهد في المنطقة وما حولها سيكون مختلفا بلا شك إلى حدود كبيرة.