ونحن تعلمنا من الحشرات أيضا!

TT

أهم ما اكتشف دارون العالم الإنجليزي الكبير أن الحيوان قادر على التكيف. وهذه القدرة هي التي جعلته حيا حتى الآن.. والفرق بين الحيوان والإنسان أن الحيوان يكرر نفسه أبدا. أما الإنسان فيبدع ويضيف ويتقدم ويواجه ويقاوم ويتكيف ويتغلب.

والإنسان دائم النظر إلى ما حوله: نبات وحيوان وأرض وماء وهواء وسماء. ويواجه كل قوى الطبيعية من أجل أن يعيش معها أو عليها. أو ضدها أو يتغلب عليها.

انظر إلى السفينة في البحر.. إن الماء هو الذي يحملها وهو الذي يقاومها وهو الذي يدفعها إلى الحركة. ولكن الإنسان هو الذي صنع السفينة لتطفو ولتسرع في الحركة.. وكذلك الطائرة. تطير بالهواء وفى الهواء وضد الهواء. وتقاوم وتمضي وتعلو وتهبط.. ولا شيء يغرق السفينة إلا الماء ولا شيء يسحق الطائرة إلا الهواء..

ومنذ نظر الإنسان إلى الحيوان فهو يتعلم، وكثير مما يؤديه الحيوان بالغريزة ملايين السنين قد سبق الإنسان فيه إلى ذلك. والقرآن الكريم يضرب لنا مثلا: الغراب يدفن أخاه بينما ابن آدم الذي قتل أخاه لم يعرف ما الذي يصنعه بجثة أخيه. وغير ذلك حكايات ونوادر في تاريخ الإنسان والحيوان.

وكنت أطالع كتابا ممتعا اسمه «حروب وسلام عند الحيوانات والحشرات». يقول المؤلف البروفسور رفلهام أرنست إن هناك طائرا اسمه «نقّار الخشب»، هذا الطائر طعامه اللذيذ هو أكثر النمل شراسة. ولكن استطاع هذا النقّار عبر ملايين السنين أن يوقف هذه المعركة. هدنة مؤقتة.. فإذا باض هذا الطائر فإنه يترك بيضه بالقرب من أوكار النمل. أو في داخلها. وهذا معناه أن الطائر يريد من النمل حماية البيض من الطيور الأخرى. ويتزاحم النمل حول البيض يحميه. وفي نفس الوقت يمنع النقار من التهام النمل. فقد انعقدت بينهما هدنة. الهدنة تقول: ما دام النمل يحمي البيض فالطائر لا يتعرض له.

وبعد أن يفقس البيض فإن النمل يتحول عشه إلى مكان آخر ويبدأ في الاستعداد لحماية نفسه من الطائر النقّار. فقد انتهت الهدنة وتبادُل المنافع واستأنف كلٌّ حياته من جديد.. الخوف والهرب من ناحية والعدوان الغاشم من الناحية الأخرى. كيف تعلم النمل وكيف تعلم الطائر: إنها القدرة على التكيف والمرونة في مواجهة كل الظروف!