إعلام كردستان: بقعة حمراء في فضاءات رمادية

TT

ظهر الإعلام المناوئ بكردستان في الآونة الأخيرة كرد فعل للخروج من الإعلام التقليدي الذي ساد ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، مما أحدث اضطرابا في الرأي العام والمشهد السياسي والإعلامي والثقافي، إذ تهافت الناس على هذا النمط من الإعلام الذي جاء ليدغدغ عواطف الناس الذين ملوا من الخطاب التقليدي لبعض السياسيين ومن يمثلهم من إعلاميين نمطيين أساءوا إلى الخطاب الكردي، إذ يتبوأ أناس لا يمتلكون الحد الأدنى من الوعي السياسي والنضج الفكري ينصب همهم لتلميع القادة السياسيين والتسبيح بحمدهم من دون النظر إلى معالجة الأخطاء أو تشخيصها، فهناك الكثير من المشكلات التي يعاني منها المواطن في مجال الخدمات والتعيين وحالات الفساد المالي والإداري، يغض عنها الطرف في حين لا يتحرج السياسي من طرحها، مما أسهم في عزوف الناس عن قراءة مثل هذه الكتابات واللجوء إلى البحث عن خطاب آخر، وهذا لا يعني أن المشهد السياسي أو القادة السياسيين لم يقدموا شيئا فبرأينا أن السياسيين في كردستان يتقدمون على الإعلاميين التقليديين فما تحقق في الإقليم من إنجازات ضخمة وكبيرة في جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية واضحة للعيان، اضطرب المشهد الإعلامي الكردي فهناك إعلام تقليدي نمطي لم يتخط أسلوبه الذي يعتمد على الدفاع عن السلطة بشكل لا يوفر القناعة للمتلقي مثقل بالفساد الإداري ومترهل بعناصر طاردة للكفاءات، إذ تم زج مجموعة لا يستهان بها من أشخاص لا يمتون للإعلام بصلة مع افتقارهم إلى الثقافة والوعي الفكري في عالم أصبح فيه كشف الحقائق والشفافية والتعامل بما يرتقي بوعي الناس وتطلعهم نحو الحقيقة التي لا يمكن أن تولد إلا من تفاعل الآراء المختلفة في جو مليء بالحوار المسؤول، إن الصحف التقليدية التي ينفق عليها مبالغ طائلة إلا أنها تفتقد إلى المهنية والأفكار المحفزة. وبالضرورة الافتقار إلى المتتبعين، إذ تتسم بالروتين اليومي والملل مع الضعف التام لصفحة الآراء تلك الصفحة التي من خلالها يمكن التأثير على الرأي العام، وتكون حافزا إلى إصلاح المؤسسات الحكومية ومراقبة أداء السلطات التشريعية والتنفيذية. فما الجدوى من توزيع الصحف مجانا في دوائر ومؤسسات الحكومة وقراؤها لا يتجاوز اطلاعهم سوى على العناوين والمانشيتات ومن ثم رميها، فهذه الصحف تفتقر إلى إثارة القضايا والأحداث المهمة التي تتعلق بهم المواطن.

وإعلام آخر همه النقد من أجل النقد وهنا لا نعني أن كل ما كتبه الإعلام المعارض يندرج ضمن هذه الخانة، فهناك من الكتاب من ينتقد بموضوعية وعلمية ويضع مصلحة الإقليم بالدرجة الأولى على العكس من الذين يكتبون بنفس مسبق معاد للآخر والمختلف سياسيا حتى لو كان على حساب مصير الإقليم الذي يعيش وضعا خاصا في مشهد سياسي هش من الممكن أن يتغير في أي لحظة، وخير دليل على ذلك ما أشار إليه القادة العسكريون الأميركيون بتأجيل الانسحاب من العراق في تأكيد على هشاشة الوضع الأمني والسياسي.

وفي خضم هذه الأجواء جاء استشهاد الزميل سردشت عثمان ليشكل جملة من التساؤلات أولها لمصلحة من تم اغتيال الصحافي الشاب المعروف بانتقاداته الحادة، وثانيهما لِم هذا الاصطفاف لجهات داخلية وأخرى خارجية لتأكيد مسؤولية حكومة الإقليم عن الحادث وللإجابة على هذه الأسئلة، ليس من المعقول أن تسعى الجهات الأمنية في الإقليم التي أكدت تماسك الوضع الأمني والذي ينسحب على جملة من الامتيازات للحكومة، فلولا الاستقرار والوضع الأمني المريح الذي يتمتع به الإقليم لما جاءت الاستثمارات والشركات للعمل في بيئة جاذبة للاستثمار، حتى وصل الحال قدوم الكثير من السياح من دول الجوار، ولا تمتع القادة الكرد بالحضور السياسي المهم في المشهد العراقي إذ قوة الحضور السياسي يعتمد على ما يستند عليه من قوة في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فهل من المعقول أن من يقود المشهد الأمني والسياسي في الإقليم أن يكون بهذه السذاجة ويفرط بجميع هذه الامتيازات، وهم يعرفون جيدا هذه الأيام هناك مساع محمومة تتزامن مع الصعوبات التي تواجه الساسة العراقيين في تشكيل الحكومة، ولا يخفى على أحد ما قامت به بعض العناصر لزعزعة الوضع الأمني بأربيل مؤخرا في محاولة بائسة، حيث قاموا بتفجيرات بعضها عبر قنابل صوتية، لا لشيء سوى إظهار ضعف الوضع الأمني وهذا يدل على التشابه في توظيف الحدث لشن هجمة على الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيس الإقليم الذي أدان واستنكر الحادث وعزى أهل وأصدقاء وزملاء الشهيد عثمان، ونعتقد أن ما حدث من تفجيرات وتوظيف هذا الحدث هو من فعل ومصدر وذهنية واحدة.

وأخيرا، أدعو إلى إظهار الحقائق والحرية التي تخدم القضية الكردية وتجعل المسؤولين يتقبلون النقد، فالإعلام هو السلطة الرابعة بل أكثر الأدوات تأثيرا على الرأي العام، وأن يرتقي الإعلام عندنا بما تحقق من نجاحات سياسية واقتصادية.

* كاتبة وأكاديمية من إقليم كردستان العراق