اللغز التركي مع العرب

TT

عاد الأتراك قوة مهمة إلى المنطقة العربية بعد نحو ثمانية عقود من رحيلهم، والآن هم طرف في مفاوضات السلام مع إسرائيل، ومفاوضات الملف النووي مع إيران، وقوة فاعلة في التأثير في الساحة السياسية العراقية، ووصلوا إلى أقصى نقطة عربية، حيث أعلنوا رغبتهم في التوسط لحل الأزمة الصومالية، التي فشل فيها من قبلهم المصريون والسعوديون والقطريون وغيرهم.

الأسئلة كثيرة حول اليقظة التركية، بما قد تعنيه هجمتها الدبلوماسية في المنطقة العربية. أولا، هي رغبة صادقة في التعاون لإصلاح المنطقة الممزقة بسبب النزاعات، أم أنها حسابات سياسية تركية خاصة؟ فتركيا لها أوجه متعددة ولا ندري بالتحديد أي وجه تركيا نرى اليوم.

هل هي تركيا الأوروبية، تريد استخدام المنطقة وقيادتها من أجل فرض أهميتها لدخول اتحاد القارة المسيحية التي سبق أن رفضت عضويتها فيه مرات؟ هل هي تركيا الإسلامية، وتحديدا تركيا السنية، وقد يكون غريبا هذا الوصف لولا أنه وصف سياسي ضروري في زمن التنازع الطائفي بين الدول الإسلامية في المنطقة؟ هنا تعتبر تركيا دولة موازنة لإيران الشيعية، وتملأ فراغ باكستان الذي نشأ بسبب الفوضى الداخلية التي تعصف بها منذ أربع سنوات، باكستان كانت الطرف السني الموازن لإيران في المنطقة؟ هل هي تركيا الأميركية، على اعتبار أن نظام أنقرة عضو مهم في حلف الناتو الذي يسير في الفلك الغربي، وقد لعبت تركيا دورا مهما في زمن الحرب الباردة ضد المعسكر الشرقي؟

هل هي تركيا أردوغان، وحزبه الإسلامي، وبالتالي نحن أمام مرحلة تركية مؤقتة قد تتغير لو اعتلت السلطة حكومة منافسة مثل الكمالية، التي قد لا تشارك أردوغان التوجهات نفسها؟ والمؤشرات الداخلية تقول إن حكومة أردوغان تعاني تدنيا في شعبيتها لأسباب اقتصادية.

الأوجه العديدة لتركيا تؤكد أنها دولة تملك طاقة مهمة، إلى جانب أنها تملك سمعة جيدة، كونها ابتعدت عن صراعات المنطقة طوال العقود الماضية، باستثناء معركتها مع الانفصاليين الأكراد التي أدخلتها سابقا في مواجهة عسكرية مع العراق وسورية.

ومع أن لتركيا سيرة حسنة، نسبيا، على اعتبار أن الاحتلال العثماني أصبح من الماضي القديم المنسي، وهي كذلك طرف مقبول من أغلبية الدول العربية، إلا أنها لم تنجح بعد ولا مرة واحدة في تحقيق أي اختراق بما في ذلك وساطتها المشتركة مع البرازيل في التوصل إلى عرض بتخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج، وعلى الرغم من أهمية الاتفاق فإنه اعتبر من الطرف الآخر حيلة لتعطيل العقوبات ولم يقبل بعد.

ولا يستطيع أحد أن يلوم تركيا على عجزها عن تحقيق أي اختراق على أي جبهة، فالقضايا عدا عن تعقيدها فهي ذات أطراف متعددة. وقد عملت تركيا بشكل جيد في جمع الطرفين العصيين: الإسرائيلي والسوري، في غرفة واحدة لكن إسرائيل غيرت موقفها لاحقا وطلبت خروج الأتراك واعتماد أسلوب التفاوض المباشر الثنائي. وهي فاعلة في اللعبة الانتخابية العراقية لكنها ليست حاسمة. ولا يعتقد أنها ستنجح في الصومال.

والسؤال الذي تعمدت أن أجعله الأخير، هل نحن أمام بداية قوة تركية إقليمية نافذة؟ إن كان كذلك، فتقديري أنها ستكون في المستقبل قوة مقلقة أولا لجيرانها، مثل سورية وإيران، أكثر بلدين عملا بجهد استثنائي لإيقاظها وامتطائها.

[email protected]