لن تموت الصحف

TT

هل سيصبح مصير الصحف الورقية مثل مصير الحمير والبغال والخيول في زمن ظهور السيارة؟ هل فعلا حان موعد تفكيك المؤسسات الصحافية والانتقال إلى الوسيلة الجديدة، المواقع الإلكترونية؟

رغم احتفاء الزميلات من المواقع الإلكترونية بأنباء وفيات الصحف المنتشرة في أنحاء العالم، كما لو أن وباء قد أصابها، فإنها قراءة خاطئة في نظري، وستثبت الأيام أن الصحف الورقية باقية لكن بلا ورق. وهنا يقع خلط، وربما تدليس متعمد، بإضافة كلمة الورقية إلى الصحف. فالصحيفة شكلا ورقية لكنها في واقع الأمر محتوى، أي الأخبار والآراء، أي المنتج المكتوب سواء كان على ورق أو جدران، كما كان يفعل الصينيون في الماضي، حيث تعلق ورقة على لوح في الحي ليصطف الناس في طابور لقراءتها بسبب نقص الورق وكثافة السكان، أو مثل الصحيفة اليوم من خلال الصفحات الإلكترونية.

الصحف التي تموت هي تلك التي لا تستطيع تأهيل نفسها في أسواقها، وليس لأنها صحف، وليس فقط لأن السوق باتت إلكترونية. الحقيقة أن الصحف والقراء معا في مرحلة انتقالية مثيرة لأكثر من سبب. فقد كانت مشكلة الصحف في الماضي القريب أنها رهينة ماكينة الطباعة في مكان محدد، ورهينة توفر الورق وسعره الذي يمثل تكلفة عالية، ورهينة شركات التوزيع التي كانت تقتطع نحو نصف ثمن الجريدة. فلا يبقى للتحرير الذي هو فعليا الفاعل إلا فتات المصروف. وكانت الصحف تصل فقط إلى أبعد دكان يمكن لسيارة التوزيع الوصول إليه، ويمكن أن تكون الصحيفة طموحة فتنقل جوا إلى آخر العالم لكن يقرؤها محبوها بعد أيام عندما تصبح خبزة باردة.

اليوم، كل هذا تغير لصالح الصحيفة الهجين، الورقية الإلكترونية، وليس ضدها كما يروج أصحاب المواقع الإلكترونية الذين يبشرون بوفاة الجرائد وينادون كل يوم باسم كل صحيفة تدفن في مكان ما من العالم. حاليا معظم الصحف الواقفة على قدميها، التي تملك مواقع إلكترونية إلى جانب مطابعها، تملك أيضا من القراء أكثر من أي يوم مضى، ومرد ذلك إلى نجاح تجربة الصحيفة الإلكترونية، التي باتت تصل ساخنة في أي وقت يريدها قارئها. ونحن اليوم في عالم متعدد الصحف، بعضها هجين، أي ورقية وإلكترونية، وبعضها من المواليد الجديدة الإلكترونية التي تواجه تحديات صعبة مثل الورقية. وهذا لا يغني عن الاعتراف بأن هناك مشكلة خطيرة وهي نقص المداخيل، وتعاني من هذه العلة جميع الصحف، إلكترونية أو هجينة، والمشكلة أكبر للإلكترونية لأنها لا تزال بلا مداخيل تساعدها على بناء مؤسسات حقيقية كما فعلت الورقية. ولا ندري كم ستستغرق السوق حتى تصل إلى القدرة على الوقوف على قدميها اقتصاديا. هذه هي المشكلة الحقيقية التي تتطلب صبرا ورؤية مستقبلية والسعي إلى تنظيم السوق لصالح الجميع لا التقاتل على الكعكة الصغيرة المتاحة.

أظن أن المؤسسات الكبيرة قادرة على البقاء إذا امتلكت الرؤية والبرنامج لمشروع جديد في سوق تتعاظم لصالحها إذا صبرت وثابرت. ومع احترامي للمرجفين من أهالي المواقع، فإن الاعتقاد بوفاة الصحف الهجينة فيه تمنيات أكثر من كونها قراءة علمية.

[email protected]