الرد الأميركي على حادثة أسطول الحرية سيشكل مستقبل الشرق الأوسط

TT

إنني السياسي التركي الوحيد الذي زار إسرائيل منذ أن شنت حربها على غزة، وما حدث في مؤتمر دافوس العالمي بين الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان سلط الضوء على الخلافات بين دولتينا. لدي أصدقاء كثيرون في إسرائيل، ولم أتردد في زيارة إسرائيل عندما وُجهت لي الدعوة لزيارتها من جانب أحد بيوت الخبرة. ورغم الكثير من التحديات، ما أزال أتفاءل بأن تركيا وإسرائيل سيكون بإمكانهما إصلاح الخلافات بينهما بشأن الوضع الإنساني في غزة.

ومع ذلك، كان يوم الاثنين الماضي بمثابة نقطة تحول بالنسبة لي ولجميع السكان في دولتي (72 مليون نسمة). ففي هذا اليوم، صُدمت تركيا عندما شاهدت قوات الكوماندوز الإسرائيلية تغير على أسطول صغير من السفن التركية المحملة بالمساعدات الطبية، ولعب الأطفال والطعام أثناء توجهه إلى غزة، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن تسعة من نشطاء السلام في هذه العملية. وتعد الغارة في حد ذاتها غير شرعية حيث إنها وقعت في المياه الدولية، وترقى، بحسب وصف السفير البريطاني السابق كرايغ موراي، إلى درجة «حرب غير شرعية». وكان من بين النشطاء الـ600 الذين كانوا على متن سفن الأسطول ميريد كوريغان ماغوير، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، ومشرعون ألمان، وصحافيون، ورجال أعمال، وأحد الناجين من الهولوكوست وعمره 86 عاما، وكلهم أهداف لا يمكن أن تمثل تهديدا لقوات الكوماندوز الإسرائيلية، التي تلقت تدريبا عاليا.

وبكل وضوح، تشير الشهادات التي أدلى بها النشطاء المفرج عنهم إلى أن قوات الكوماندوز الإسرائيلية التي اقتحمت أكبر سفينة في هذا الأسطول أطلقت النيران واستخدمت البنادق التي تحتوي على صواعق كهربائية. وتختلف هذه الشهادات اختلافا كبيرا عن الشهادات التي أدلى بها السياسيون والعسكريون الإسرائيليون. لذا، فمن الضروري إطلاق تحقيق فوري وحيادي يحظى بالمصداقية والشفافية ويتوافق مع المعايير الدولية حول مقتل ما لا يقل عن تسعة مدنيين بأيدي قوات الكوماندوز الإسرائيلية. تطالب الأمم المتحدة والأتراك والرأي العام الدولي بمعرفة ما حدث، والسبب وراءه، ومن هو المسؤول عن مقتل تسعة من نشطاء السلام. والغارة على هذا الأسطول الصغير لها بعدان.

الأول: لقد ألحقت ضررا في العلاقات التركية - الإسرائيلية لا يمكن إصلاحه. ويطالب الأتراك، شأنهم شأن الأمم المتحدة، بإجراء تحقيق مستقل في مقتل تسعة من النشطاء، ويريدون الاعتذار والتعويض لأسر الأفراد الذين أجهزت عليهم قوات الكوماندوز. كما تطالب أنقرة بمعاقبة المسؤولين عن هذه الجريمة. وأي شيء بعيد عن هذه الإجراءات لن تكون له أي قيمة. والشيء الذي لا تفهمه الحكومة الإسرائيلية الحالية على ما يبدو هو أن هذا القتل مع سبق الإصرار أسفر عن تجاوز مرحلة حرجة في التصورات التركية فيما يتعلق بإسرائيل بغض النظر عن القدرة السياسية على الإقناع. ومنذ يوم الاثنين، يعتبر الأتراك الحكومة الإسرائيلية الحالية حكومة غير صديقة. ولا شك أن هذا الخلاف من الممكن أن يتصاعد ما لم تستجب إسرائيل سريعا وبصورة مسؤولة.

ثانيا: هناك بعد دولي مهم في مأساة الأسطول. أظهر قتل إسرائيل لتسعة من نشطاء السلام، مجددا التجاهل الصارخ للقانون والأعراف الدولية من جانب الحكومة الإسرائيلية الحالية. والأهم من ذلك هو أن الرد الأميركي على استخدام إسرائيل المفرط للعنف ضد المدنيين الأبرياء يشكل اختبارا لمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وكما فعلت الكثير من البلدان الأوروبية والأمم المتحدة والرأي العام العالمي، فعلى الولايات المتحدة أيضا مسؤولية أخلاقية لإدانة العنف الإسرائيلي. تراقب تركيا عن كثب الرد الأميركي. وكما أشار وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ببلاغة، إن ذلك ليس اختيارا بين تركيا وإسرائيل. إنه اختيار بين الصواب والخطأ، بين ما هو شرعي وما هو غير شرعي.

وفي كثير من النواحي، تقترب منطقة الشرق الأوسط من مفترق طرق مهم.

ستحدد الولايات المتحدة نفسها طبيعة منطقة الشرق الأوسط التي ستتعامل معها في المستقبل، بكيفية ردها على أفعال إسرائيل. وقد لا يكون ذلك أكثر إلحاحا بالنظر إلى التوتر الذي يحيط بالبرنامج النووي الإيراني، والوضع المتأزم في العراق والحرب الدائرة في أفغانستان.

وعلاوة على ذلك، سلطت غارة الأسطول الضوء مجددا على أن الحصار المفروض على غزة لم يعد يُحتمل. ولم يعد بمقدور إسرائيل تبرير حصارها غير الإنساني للفلسطينيين في غزة. تشكل غزة اليوم سجنا في الهواء الطلق. ووفقا لمنظمة العفو الدولية، يخضع 1.4 مليون فلسطيني لعقاب جماعي يهدف إلى خنق قطاع غزة. وقد سببت معدلات البطالة المرتفعة والفقر المدقع وارتفاع أسعار الغذاء نظرا لنقص الإمدادات الغذائية، في أن 4 من كل 5 من سكان غزة يعتمدون على المساعدات الإنسانية. وهذا هو السبب في أن أسطول الحرية أراد تسليم المساعدات التي كان يحملها. وأراد أيضا إلقاء الضوء على الحاجة للسماح لسكان غزة بإجراء العمليات التجارية والتفاعل مع بقية أنحاء العالم.

وقد رحبنا نحن الأتراك باليهود الذين هربوا من محاكم التفتيش في إسبانيا عام 1492. وخاطر دبلوماسيونا بحياتهم من أجل إنقاذ يهود أوروبا من النازيين. وكانت الإمبراطورية العثمانية وتركيا كريمة ومضيافة مع اليهود على مدار قرون. ومع ذلك، لم يعد بمقدورنا التسامح مع السياسات الوحشية للحكومة الإسرائيلية الحالية، لا سيما إذا ما أسفرت عن مصرع مواطنينا. ولا يستطيع الضمير التركي ولا ضمير المجتمع الدولي مواصلة تحمل عبء السياسات غير المسؤولة لحكومة نتنياهو.

وكما ذكرت إحدى المقالات الافتتاحية في صحيفة «واشنطن بوست»، يحتاج نتنياهو أيضا إلى توسيع نطاق حكومته لتشمل الأحزاب المؤيدة للسلام؛ وإحدى مشكلاته الرئيسية هي الصقور في مجلس الوزراء الذين جعلوا الدبلوماسية الإسرائيلية في حالة تناقض.

تستحق كل من إسرائيل وتركيا أفضل من ذلك.

* نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا للشؤون الخارجية وعضو المجلس التنفيذي المركزي في الحزب

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»

خاص بـ«الشرق الأوسط»