عالم الكتب ودنيا المشاعر

TT

ثمة نوع آخر من الرفاق والرفاقية: الرفقة في الكتب. تراهم حيث لا تتوقع. تلقاهم حيث لا تنتظر. أناس تشعر بقرابة إليهم، بمجرد أن تعرف أنهم يقرأون ما تقرأه. يعيشون في عالم المؤلفين الذي تعيش أنت أيضا فيه: خارج الحدود.. خارج البلدان.. خارج السياسات.. خارج الهوايات.. خارج الأذواق. ثمة قاسم واحد فإذا الرفقة نزهة مشتركة في دنيا من الخواطر.

يقدم الرجل لكتابه بالقول «عندما أجلس في المكتبة وحولي عشرات آلاف من الكتب يغمرني شعور برفقة لا مثيل لها، فالكتاب كائن حي، أتحدث إليه ويتحدث إلي وإن كان مغلقا، هو لا يضم أفكارا فحسب، إن مؤلفه فيه يرزق ويعبر ويفكر وإن كان صامتا».

من هم سمّاره؟ أكثر من أن يعدوا. لكنه يعطينا مثالا: «هل هناك رحلة أحلى، أو خزانة أغنى، من مجالسة المتنبي والبحتري والشنفري وابن الجهم والأخطل ومحمد مهدي الجواهري ونزار قباني ومحمود درويش ومحمد الفيتوري، ومعهم ابن خلدون وفوكو والطبري وابن الأثير، يتوسطهم كيتس واللورد بايرون وشكسبير؟ هل لك أن تتصور مجلسا أعظم من هذا.. ومعهم آلاف الشعراء والأدباء والفلاسفة، ممن لم أذكر؟». رفقة الكتب تحث الرجل على الكتابة: «مسيرة الإنسان على درب عمره، صحراء وحقول وشوارع، ماء وجفاف، فرح وترح، حب وكره، غضب وسرور، غنى وفقر، حاجة ويسر، عشق وهجر، وصل وانقطاع، والأمل والطموح، والغيرة والحسد، والحب والخير والشر والفرح والحزن...».

وما الكتاب الذي يقدمه لنا إلا «عصارة من عصارة، من مسيرة الركض والمشي والتعثر وحتى السقوط والسقطات، علامات رسمها النجاح والفشل، من خذلان الأصدقاء وشفافية الأوفياء، من حرقات العشق حلاوة ومرارة، من الجحود ومن القيود، من النقود وفرتها وقلتها...». من هو هذا القارئ الكاتب الذي يباسط قارئه المجهول بهذه الحميمية؟ المفاجأة أنه وزير خارجية ليبيا السابق وسفيرها الحالي لدى الأمم المتحدة. والكتاب هو «تجليات من الضمير إلى المصير». وقد عثرت عليه في المكتبة إلى جانب مجموعة شعرية بعنوان «قررت أن أفرح»، توقيع الأستاذ عبد الرحمن شلقم.

وإنه لأمر مفرح، أن يتنازل السياسيون العرب للكتابة عن الحزن والفقر والسقوط، مثلهم مثل بقية الناس وبقية البسطاء، الذين لا يجدون سبيلا إلى الشكوى إلا في الكتب. وبعيدا عن السياسة وعقدها يعرض لنا شلقم في الكتابين نجاوى إنسان حقيقي متواضع يمخر عباب العمر بمشاعر بعيدة عن التعالي والفوقية. يعرض الرفاقية البسيطة والمبسطة.