ما الذي تريده الصين؟

TT

خلال الأشهر القليلة الماضية، اشتكى دبلوماسيون أجانب لي، بصورة شخصية، من سياسة خارجية متغطرسة تنتهجها إحدى الدول. وكانوا يتحدثون عن الصين وليس عن الولايات المتحدة. وقال مسؤول بارز من دولة نامية، في السر، حتى لا يغضب بكين: «كان المسؤولون الصينيون يظهرون لنا إحساسا كبيرا بالتضامن والدفء. وفي الوقت الحالي يملون علينا قائمة من المطالب». ويورد دبلوماسيون داخل بكين أن المسؤولين الصينيين يعاملوهم حاليا بصورة مختلفة عما كانوا يفعلون قبل أعوام قليلة ماضية. واشتكى واحد من أن الحصول على اجتماع مع مسؤولين بارزين أصبح صعبا. وأخبرني أحدهم في بكين الأسبوع الماضي: «الناس الذين اعتدت رؤيتهم بصورة دورية يرفضون حاليا إعطائي موعدا».

يمكن تفهم جزء من هذا، فالنجاح يُثمر ثقة، كما يعرف الأميركيون جيدا. وقد كانت الصين ناجحة جدا، ويوجد إجماع على أن الصين أصبحت في القمة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية. وتخلق حزمة التحفيز المالي الضخمة لديها جيلا جديدا من البنية التحتية، ومصارفها مستقرة، ومستهلكوها لديهم معدلات ادخار عالية، ولا تزال الحكومة تكوم احتياطيا يبلغ مجمله حاليا 2.5 تريليون دولار. ولكن، خلال نقاشات مع أفراد داخل وخارج الحكومة الصينية الأسبوع الماضي، فوجئت بحالة من الشك والريبة والترقب أكثر من الغطرسة، وبدا أن ذلك ينتشر وسط الصينيين.

كان من تحدثت معهم واثقين من قدرة النظام من الناحية الفنية على التعامل مع الاقتصاد. وبينما كان «وول ستريت» يشعر بالقلق من نمو الصين المتسارع، كان معظم الناس هنا متأكدين من أن الحكومة ستكون قادرة على التكيف للحفاظ على استقرار النمو، مثلما حدث في الماضي. هل توجد خشية من سوق عقارات ضعيفة داخل بكين؟ حسنا، لقد صدرت تعليمات إلى المصارف لوقف تقديم رهون عقارية، ومن المقرر أن تزيد الضرائب العقارية. ولا يمكن لسكان بكين شراء أكثر من شقة واحدة للعائلة. وبمجرد تحسن الوضع، تشير كل الاحتمالات إلى أنه سيتم إلغاء القواعد.

ولكن تحدث تغيرات أكبر، فقد شهدت الصين احتجاجات عمالية كبيرة خلال الأسابيع الأخيرة، بدءا من إضرابات داخل مصانع شركة «هوندا»، إلى تقارير عن حادث انتحار داخل مجمع «فوكسكون»، حيث يجري تجميع أجهزة «آي فون». ووصف أحد الأكاديميين ذلك بـ«نهاية قالب المصنع العالمي» الذي في إطاره تعد الصين المصنع الذي يعطي الأجر الأقل. وقال تشانغ كيا، مدير معهد العمال في جامعة رنمين: «لا يمكن لاقتصادنا الاستمرار في الضغط من أجل تقليل الامتيازات التي يستفيد منها العمال لأنهم غير مستعدين لقبول ذلك».

ويعد ذلك تحولا في موقف الحكومة عما كان عليه الحال قبل أعوام قليلة، عندما حذّر مسؤولون من أنه إذا طلب العمال الصينيون زيادة في المرتبات فإن الشركات ستنتقل إلى فيتنام وكمبوديا. وفي 2003 قال نائب رئيس اتحاد عمال «هيوينداي» في بكين، تشانغ تشي شيونغ: «تضر الإضرابات في الصين بسمعة البلاد»، وتعهد بأن لا تعقد أية إضرابات. وفي الوقت الحالي يتوقع لي تشانغ هي، من «هيئة العمال الدولية» ببكين، أن الاتحادات ستكون في النهاية جزءا من المشهد داخل الصين، وستؤدي إلى زيادة الأجور.

وجاءت جميع الأجزاء المقتبسة في الفقرات السابقة من صحيفة «تشينا ديلي»، وهي صحيفة تصدرها الحكومة باللغة الإنجليزية. ولم يكن من المحتمل أن يظهر شيء مثل هذا بأية لغة قبل خمسة أعوام داخل الصين، ويكون النقاش أكثر صراحة في السر. وأخبرني رجل أعمال صيني على غداء في بكين: «كانت الأزمة المالية والتشيك في النموذج الأميركي شيئا سيئا بالنسبة إلينا في الكثير من النواحي. فكما ترى لم تعد لدينا في الواقع آيديولوجية. ولا نعرف ما نؤمن به. لقد اعتدنا أن نفكر فيه على أنه نسخة من الحلم الأميركي، التحرير والانفتاح والنمو. ولكن حدثت أزمتكم. ويمكن أن نقول إنها تبرهن على أننا أقوياء، ولكن إلى أين نذهب في الوقت الحالي؟».

ويفاقم من حالة الذعر التحول السياسي الحالي داخل الصين، الذي ستُستبدل فيه القيادة العليا خلال عامين، ولن يكون للرئيس الجديد ولا لرئيس الوزراء للمرة الأولى علاقة شخصية مع دنغ شياو بينغ، مهندس الصين الحديثة، أو يحظى بمباركة منه. ولهذا تبعات أوسع، حيث تعرف الصين أنها تمثل حاليا قوة كبرى وتطلب احترامها والإنصات إليها. ولكن مع عجز النظام عن حماية مصالحه الضيقة، لا يبدو أنه متأكد مما يريده على الساحة الدولية. ما أهدافها الأوسع في مجال السياسة الخارجية؟ هل هي حليف أم منافس للولايات المتحدة؟ وما العالم الذي تأمل في الوصول إليه؟

تدخل الصين على مرحلة جديدة، وتبدو غير مهيأة عمليا وآيديولوجيا لها. وربما يوضح ذلك لماذا كانت بكين مترددة في مواقفها من الانتشار النووي وكوريا الشمالية وإيران. إنها متناقضة أكثر منها متغطرسة، وهو الشيء الذي تعرفه الولايات المتحدة جيدا من تاريخها الأول كقوة عظمى.