عالم كرة!

TT

أيام قليلة جدا وتنطلق فعاليات بطولة كأس العالم لكرة القدم والمنظمة في جنوب أفريقيا، وهي أول مرة تقام البطولة هذه في القارة الأفريقية.

والأفارقة يعتبرون إقامة مناسبة بهذا الحجم وهذا الثقل اعترافا عالميا بمكانتهم وبالتالي بجدارتهم بين الأمم أخيرا وذلك بعد سنوات طويلة من ظلمات الاستعمار الأبيض لها (مع وجود قاعدة مثقفة لا تزال تعتقد أن هذه الظلمات لا تزال موجودة ولكن بصورة جديدة ومختلفة).

بطولة كأس العالم لم تعد مجرد «مناسبة رياضية» فحسب، ولكنها صناعة وسياسة وإعلام واقتصاد وثقافة في خلطة سحرية عجيبة!

الاتحاد الدولي لكرة القدم والمعروف بالفيفا وهو الجهة الرسمية المنظمة لهذه البطولة لديه من القوة والمكانة والأهمية ما يفوق بعض حكومات الدول حول العالم، وأمينه العام سيب بلاتر يلقى معاملة رؤساء الدول حين وصوله في الزيارات الرسمية، وإذا ما تبنى الفيفا أيا من حملات التوعية العامة، فإن أثرها يكون مدويا كما فعل مع حملات مناهضة المخدرات والعنصرية.

واليوم تحصد الفيفا مقابلة الرعاية التي تسوقه لعدد محدود جدا من الشركات مئات الملايين من الدولارات، بالإضافة إلى حق «الشراكة الرسمية» لأجهزة التلفزيون والباصات والكرة الرسمية وغيرها ناهيك عن الكعكة الكبرى الناتجة عن حقوق بيع البث التلفزيوني، وهناك من «يركب» الموجة فنجد بنكا عريقا مثل «يو بي إس» و«غولدمان ساكس» وغيرهما يقدمان تقارير كأس العالم للدول المشاركة فيها تحاليل دقيقة عن الأثر المالي والاقتصادي لهذه البطولة على البلد المضيف وعلى أسواقها وكذلك على الدول المشاركة في البطولة، وتظهر بوضوح أيضا محاولة استغلال الشركات غير المصرح لها رسميا باستخدام كلمة كأس العالم وشعار البطولة فتتحايل وتظهر في دعاياتها لاعبي كرة قدم يكتبون اربح فرصة مشاهدة «البطولة الكروية الكبرى في أفريقيا!» الكل يحاول الاستفادة من أكبر شريحة ممكنة من الناس.

عربيا بدأت بعض الدول تدرك «الفرص» الممكنة من استضافة مناسبة كبرى كهذه، ولكن هذه الدول لا تعي بالقدر الكافي التجهيزات والمسؤوليات المترتبة على هذه الاستضافة، ولكنها فرصة لتحسين الكثير من البنى التحتية بحجة استضافة الحدث الكبير، هكذا فعلت البرازيل والمكسيك والأرجنتين وأخيرا جنوب أفريقيا حينما فازت بفرصة الاستضافة.

بعد الإحراج الذي حدث نتاج خسارة المغرب ومصر فرصة استضافة البطولة بشكل مخجل تقدم قطر ملفا مبهرا (وإن كنت أعتقد أن الفيفا لا يزال غير مقتنع باستضافة قطر والدول الصغيرة حجما كهذه بطولة، فالمطلوب هو الجماهير ثم الجماهير، ودائما ما يعتمد على الجمهور المحلي في هذه المناسبات). وقدمت قطر في هذا الملف الوعود والضمانات لأن تكون كأس العالم إذا ما أقيمت بقطر أفضل بطولة في تاريخها، ولكن المنافسة ستكون على أشدها من دول أخرى أيضا على رأسها إنجلترا مسقط رأس كرة القدم نفسها التي تطمع في استضافة البطولة بعد انقطاع دام أكثر من 45 سنة! كل كأس عالم وأنتم بخير.