هل جُبلت موريتانيا على التوتر؟

TT

لا شك في أن الحراك السياسي ظاهرة صحية وواقع محمود ودليل على أن الطموح نحو الأفضل ديمقراطيا، سيد الموقف السياسي. ولكن كما هو معروف، فإن كل شيء إذا زاد عن حده، انقلب إلى الضد، وأغلب الظن أن حالة التوتر المتصاعدة والمتواصلة في المشهد السياسي الموريتاني قد تجاوزت ما هو صحي نافع إلى ما هو ضار بأتمّ معنى الضرر.

ولا تكاد العلاقة بين السلطة والمعارضة تخرج عن دائرة الرفض والاحتجاج والمقاطعة والاتهامات والتراشق والتخوين على نحو يصعب معه الشروع في التأسيس لحالة وفاق سياسي قوامها الحوار.

فمند تاريخ انقلاب 6 أغسطس (آب) 2008 وموريتانيا في حالة شبه عطالة اقتصادية واجتماعية وتنموية ولا شغل لها سوى الانتقال من توتر إلى آخر ومن معركة حامية الوطيس إلى أخرى أكثر لهيبا.

يوم الخميس الماضي، دعا الرئيس محمد ولد عبد العزيز قادة المعارضة الموريتانية للحوار، وهي الدعوة التي تم القبول بها بشروط بعد تعنت وصمت مدروسين بالمعنى التكتيكي السياسي.

ويكمن المشكل القائم اليوم في الحياة السياسية الموريتانية في غياب الثقة وفي عدم وجود الحد الأدنى من الرصيد الوفاقي، إن جاز التعبير، لبناء الحوار، مما يعني أن الدعوة إليه شكلية والقبول بها أيضا محض شكلي.

فالأزمة السياسية في موريتانيا ذات طابع راديكالي بنيوي عميق، وتتصل بأسباب وإن كانت جوهرية، فإن الراهن الموريتاني يُحتم ضرورة تجاوزها.

وقد بلغ الانشقاق بالفريق السياسي في موريتانيا إلى الخلاف حتى حول الاجتماع معا في المسيرة التضامنية من أجل ضحايا قافلة الحرية وأهل غزة. وهو ما نفهم منه إلى أي حد تبدو آفاق التواصل منعدمة بين السلطة وأحزاب المعارضة.

ولعل ما عاشته موريتانيا خلال السنتين الأخيرتين، يُفسر لنا إلى حد كبير وصلت دواعي التوتر، ويبرر لنا لغز وتيرة تصاعده، باعتبار أن معادلة المرور من الانقلاب الذي أطاح بالديمقراطية الوليدة في موريتانيا إلى انتخابات يفوز فيها قائد الانقلاب نفسه، والحال أن الدستور الموريتاني وتحديدا البند 18 يقطع الطريق أمام ترشح العسكريين للرئاسة.. كل هذا جعل حالة الرفض سائدة وأدخل البلد في مأزق سياسي، تُؤكد دلائل كثيرة صعوبة محوه بالكامل.

وفي مقابل كل هذه الأسباب وغيرها التي تُيسر فهم تواصل حالة التوتر والانشقاق السياسيين، فإن الواقع يشير إلى وجود ما يفرض الحوار الإيجابي وما يدفع في اتجاه تعليق حالة المقاطعة المفتوحة والتمسك بالمطالب الراديكالية وغير الواقعية.

فأي معنى للراديكالية السياسية في واقع تنهشه معدلات الفقر والأمية المخيفة؟

الواضح أن المعارضة الموريتانية تركز أولا وأخيرا على البعد السياسي والتنمية السياسية مع إهمال نسبي للنواحي الأخرى. وربما ما يرجح كفة هذه القراءة هو أن المعارضة كانت سباقة في التشكيك بدعوة الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى الحوار واعتبرتها حيلة منه كي يمر اجتماع الممولين الأساسيين لموريتانيا الذي سينعقد بعد أيام قليلة ببروكسل طبقا لانتظارات الحكومة بخصوص الدعم المالي رغم أن المصلحة تقتضي الوقوف إلى جانب الحكومة في هذه المسألة بالذات والتعاطي معها كحيلة مشروعة ما دام الشعب الموريتاني هو المستفيد.

وتتمثل النقطة الأخرى الخطيرة في تهديد الإرهاب للمجتمع الموريتاني بشكل متنام، وهو تهديد يستوجب حالة وفاق إذ لا شيء أكثر خطورة وفزعا من تمكن الإرهاب حالة وثقافة من فئات حساسة في المجتمع الموريتاني خصوصا أن أخبارا مقلقة تشير إلى أن العناصر الموريتانية في ما يسمى بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي اشتد عودها كما ونفوذا.

فهل ينقلب الحال ويصبح الحوار جبلة أساسية في المشهد السياسي الموريتاني؟