معالجة الانطباع السلبي عن الإسلام

TT

في استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «يوغوف» YouGov بتكليف من مؤسسة استكشاف الإسلام، ربط 58% من البريطانيين بين الإسلام والتطرف؛ والنصف ربطه بالإرهاب؛ ويعتقد 69% أنه يحفز على قهر النساء، بينما اعتقد أقل من 40% أن للإسلام أثرا إيجابيا في المجتمع، ورأى 13% فقط أنه ديانة مبنية على السلام، بينما ربط 6% فقط بين الإسلام والعدالة.

النتيجة التي ربما تخفف من وقع الصدمة على المسؤولين عن المؤسسة أن 60% اعترفوا بجهلهم بكثير من التفاصيل عن الإسلام، في حين قال ثلث المشاركين إنهم يريدون معرفة المزيد عن الإسلام كديانة.

الرقمان الأخيران يحفزان مؤسسة استكشاف الإسلام على التوسع في «مشروع محمد» الهادف لتقديم فلسفة عن سلام المرء مع نفسه، وذلك بشرح الجوانب الإيجابية في الإسلام؛ رغم شكوكي الشخصية في مدى تأثير أنشطة دعائية كالملصقات أو لقاءات التوعية العامة، من خبرتي الصحافية الطويلة.

فالمسلمون أنفسهم هم المسؤولون عن تكوين الانطباع لدى البريطانيين، ولن يصلحه غيرهم؛ فالجماعات الإرهابية والأخرى المؤدلجة سياسيا حولت الإسلام من عبادة روحانية تمارس شعائرها فرديا أو في دور العبادة إلى آيديولوجيا سياسية، وانتقت آيات خارج السياق لتبرير القتل، ربطت الإسلام بالعنف في أذهان البريطانيين.

جماعتا «كايتا» الإسبانية والـ«إي آر إيه» الأيرلندية وظفتا الإرهاب دون ربط نفسها بالدين أو اختطاف أحد أسماء الله أو الأنبياء. وعلى العكس، فإن مرتكبو المذابح ضد السياح في مصر أعلنوا أسماءهم «الجماعة الإسلامية» و«الجهاد الإسلامي»؛ في غزة «حماس» اسمها حركة المقاومة الإسلامية (التعاطف مع الفلسطينيين يختلف عما شاهده المتفرج البريطاني من حماسيين يلقون فتحويين من فوق الأسطح ويرسلون الانتحاريين لتفجير مطاعم وباصات). مفجرو القنابل في دور السينما والمسارح وقتلة القضاة والمعتدون على غير المحجبات اسمهم «الإخوان المسلمون»، ومن رحم جماعتهم خرجت تيارات وخرج زعماء «القاعدة» كأيمن الظواهري. مجموعة «جيش محمد» فجرت المساجد في بغداد؛ الجماعة التي أرسلت الانتحاريين لتفجير السفارات، واختطفت طائرات، تفوقت على الجميع في اختطاف أبرز اللافتات وسمت نفسها حزب الله؛ وهذا على سبيل المثال لا الحصر.

عدد أفراد هذه الجماعات والأحزاب مجتمعة يمثل نسبة لا تذكر من مسلمي العالم، لكن تأثيرها بالغ الضخامة. فهي تمارس إبادة بشرية جماعية كما حدث في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) أو معبد حتشبسوت في الأقصر، أو في عرس في عمان، أو المجمعات السكنية في المملكة السعودية، على سبيل المثال تتحول لمانشيت الصفحة الأولى. ومن ناحية أخرى لا تخرج أي مسيرات للمسلمين في بريطانيا تندد بالعنف وتتبرأ من مرتكبيه، بينما يحرقون الكتب ويهجمون على السفارات احتجاجا على صحف في بلاد أخرى لم يقرأوها أصلا. وفي حديثهم لزملاء أو جيران غير مسلمين يبررون عنف المخبولين بأنه رد على احتلال فلسطين أو حرب العراق، وكأن ما يشجبونه كخطأ أخلاقي، يبرر ارتكاب مسلمين لخطيئة أخلاقية أخرى.

هذه التبريرات - وأغلبها ضعيف الحجة غير مقنع - تلقى على أسماع بريطانيين لا تزال القاعدة الأخلاقية التي شبوا عليها هي فلسفة إدارة الخد الأيسر عند تلقي اللطمة على الخد الأيمن.

الكارثة الأخرى رفض المسلمين ظاهريا وعمليا الاندماج في ثقافة المجتمع الذي هاجروا إليه طواعية وباختيارهم (وبعضهم دفع الرشاوى لعصابات التهريب، ومارس أكاذيب ومراوغات وخدعا، تعتبر خطايا في الإسلام، من أجل الفيزا أو التسلل لبريطانيا وطلب اللجوء السياسي إليها) ولم يجبرهم أحد على الوجود في بريطانيا، كحال السود في أميركا مثلا الذين سيقوا إليها عبيدا اختطفوا من أفريقيا منذ القرن السابع عشر.

البعض يهاجم أسلوب الحياة البريطانية علنا معتبرا التبرج «خطيئة» رغم أن العنف ضد خلق الله والقتل خطيئة أكبر. البعض الآخر يستفز الجيران (كذبح خراف الأضحى في الشارع أو الحديقة الخلفية مسببين فزعا للأطفال في بلد به أكثر من 11 مليون حيوان أليف؛ بدلا من استئجار مذبح إسلامي باليوم). أكثر المسلمين منعزلون في غيتو ثقافي أو جغرافي «كحارة اليهود» في الماضي.

وستهدر مؤسسة استكشاف الإسلام ميزانيتها وتروح جهودها هباء ولن تغير نظرة البريطانيين للإسلام مثقال ذرة.

فالنظرة لن تتغير إلا بتغيير المسلمين أنفسهم لنظرتهم إلى بريطانيا كوطن اختاروه لأنفسهم ولأطفالهم، ويبادرون هم بإدانة الإرهاب عندما ترتكبه فئة ضالة اختطفت راية الإسلام أو اسما مقدسا منه؛ ويخرجون من «حارة المسلمين» الانعزالية إلى الشارع البريطاني متظاهرين ضد خطيئة الإرهاب.

المجموعة الأكثر نجاحا في دعم الاندماج الكامل الإيجابي في المجتمع البريطاني، تضم مسلمين وآخرين منتمين لعدة عقائد، سماوية وغيرها، هي الشبكة العربية لحزب المحافظين التي يترأس مجلس إدارتها الطبيب البريطاني، المصري المولد، الدكتور وفيق مصطفى ورئيسها البرلماني هو النائب المحافظ دانيال كاوجينيسكي (مهاجر بولندي متجنس). أعضاء الشبكة من مواليد بلدان الجامعة العربية، عربا وغير عرب، ومنهم الجيل الثاني والثالث، والشرط الوحيد أن تكون الأصول من هذه البلدان، بينما يحفز الدكتور مصطفى غير العرب، من أصول من هذه البلدان، الانضمام إليها، والافتخار بخلفية أجدادهم الثقافية مع الافتخار بولائهم لوطنهم بريطانيا.

قبل أسابيع، قاد الدكتور مصطفى مجموعة من أعضاء الشبكة، أغلبهم من المسلمين، توجهوا إلى قرية ووتن بسيت في جنوب غربي إنجلترا بأكاليل الزهور الجنائزية لمشاركة أهلها تقليد الوقوف حدادا لمرور جثامين الجنود الذين سقطوا في أفغانستان عند وصولهم للمطار العسكري القريب استعدادا لجنازات دفنهم.

مشاركة مسلمين بقيادة الدكتور مصطفى يقرأون الفاتحة ويشاطرون بقية المواطنين الأحزان ويعبرون، كغيرهم من ملايين البريطانيين، عن امتنانهم لتضحية هؤلاء الشباب وهم في عمر الزهور للدفاع عن أسلوب الحياة والديمقراطية التي يتطلع إليها غالبية الشعب الأفغاني، كان لها في قلوب البريطانيين أفضل وقع.

هذه الخطوة الإيجابية حكاها الدكتور مصطفى في حفل الاستقبال الذي أقامته شبكة المحافظين العربية في برلمان وستمنستر لاستقبال النواب الجدد وحضرها أكثر من مائة من نواب المحافظين واللوردات وصفقوا طويلا لإنسانية الطبيب المسلم.

فميزة الشبكة اندماجها في الحياة البريطانية، لا تعزيز انفصالها، ونرجو لها النجاح والاستمرار ومزيدا من النشاط، وأن تقاوم محاولات التسييس والاختطاف من قبل نشطاء ينفرون البريطانيين بتقليد عشرات الجمعيات العربية أو المسلمة التي ترفع شعارات وقضايا لا تهم سوى الراديكاليين العرب. لأن اندماج أبناء العرب البريطانيين في وطنهم الذي يعيشون فيه ويدفعون فيه الضرائب ويختارون فيه حكومته بالتصويت، هو قضية مصيرية لا تقل أهمية لمستقبلهم عن اهتمام الفلسطينيين بالحصول على دولتهم المستقلة.