لماذا سنفتقد هيلين توماس؟

TT

التقيت هيلين توماس مصادفة بعد بضع دقائق من توجيهها سؤالا إلى الرئيس باراك أوباما حول أفغانستان أثناء آخر مؤتمر صحافي حضرته في البيت الأبيض. ومن الواضح أنها كانت قلقة ومنزعجة. لقد كان ذلك في السابع والعشرين من شهر مايو (أيار) وكانت درجات الحرارة مرتفعة للغاية، وكانت هيلين، البالغة من العمر 89 عاما، متعلقة في ذراع صحافي آخر لمساعدتها أثناء سيرها بخطوات بطيئة في ممر الجناح الشمالي من البيت الأبيض.

سحبت مظلة من حقيبتي للمساعدة على حماية هيلين من أشعة الشمس الحارقة، وأعطيتها إلى الصحافي الذي كان بصحبتها، ثم ذهبت إلى الشارع 17 لإيقاف سيارة أجرة لتقلها إلى منزلها.

«إنك بلا شك ملاك»، هكذا قالت هيلين لي بعد ذلك بدقائق معدودة، وهي تجلس داخل سيارة الأجرة. ثم أغلقتُ باب السيارة.

لم يمر على ذلك سوى أيام قليلة، بعد أن علم العالم بشأن تصريحاتها بأن على إسرائيل أن «تخرج من فلسطين» وأنه على اليهود العودة إلى بولندا وألمانيا. لقد أدلت بهذه التصريحات بين الوقت الذي رأيتها فيه تكافح تحت أشعة الشمس الحارقة وعندما جلست في النهاية داخل سيارة الأجرة - بالضبط عندما ذهبت لأوقف لها سيارة أجرة - حيث التقت مصادفة الحاخام ديفيد نيزينوف، الذي وجه إليها سؤالا دمر حياتها الوظيفية: «هل من تعليقات بشأن إسرائيل؟».

الحقيقة أن هيلين توماس قالت إن ما أقدمت عليه تحت مجهود بدني شديد للغاية لا يبرر تصريحاتها الهجومية المعادية للسامية، والحقيقة أنها بدت وكأنها تعرض صحتها للخطر بظهورها في مؤتمر صحافي في يوم حار لم تكن سوى علامة أخرى على أن الوقت ربما يكون قد حان لأن تتقاعد هيلين عن العمل. في أعقاب الاحتجاج ضدها واستقالتها، اتفق صحافيون حاليون وسابقون بالبيت الأبيض ممن تحدثت إليهم على أن توماس لم تعد تنتمي للسلك الصحافي الحديث بالبيت الأبيض، من ناحية، نظرا لتقدمها في السن، ومن ناحية أخرى، نظرا لأنها تجاوزت الخط الفاصل بين نقل الأخبار والرأي الشخصي.

وقالت آن كومبتون، التي غطت أخبار الرؤساء الستة الماضيين لصالح «إيه بي سي نيوز»، «لقد كانت هيلين دوما محققة عنيدة ومباشرة وعملية مع الرؤساء والناطقين الإعلاميين (باسم البيت الأبيض). وقبل نحو عقد من الزمان، عندما تخلت هيلين عن دورها كصحافية وبدأت عملها ككاتبة في صفحات الرأي لدى صحف (هيرست)، بدأت القضايا التي تعالجها تتجاوز الحد نحو التأييد».

وكانت لدي أفكار مماثلة عندما كنت أشاهد توماس تفعل ما تريد من الصف الأول في قاعة المؤتمرات الصحافية بالبيت الأبيض، لكنني لم أعتقد قط أن لدي الحق في قول أي شيء بشأن امرأة كانت تعد بمثابة أسطورة للصحافيين ومؤيدي حقوق المرأة، مهما كانت وجهات النظر الشخصية التي تحملها. لكن الآن، وفي الوقت الذي يشعل فيه رحيلها شرارة معركة ستجثم بشأنها منظمة إخبارية على هذا العقار الذي يعد مطمعا للجميع، لا يسعني إلا أن أتساءل: في الوقت الذي أصبح فيه تحول صحافة توماس إلى التأييد أمرا واضحا، هل هناك شيء من الممكن أن يتعلمه الصحافيون في البيت الأبيض من موقفها؟ وعلى وجه الخصوص، هل نراعي البيت الأبيض في ظل أوباما والناطق الحالي باسمه روبرت غيبس؟

وتتبادر إلى الذهن حادثتان. ففي أحد المؤتمرات الصحافية قبل أسبوع واحد من تنصيب أوباما رئيسا للبلاد، على سبيل المثال، وجه صحافيان اثنان فقط أسئلة إلى غيبس من أجل الحصول على تفاصيل بشأن علم الرئيس بالهجمة التي قامت بها طائرة من دون طيار في باكستان - وهي العملية العسكرية الأولى للإدارة الجديدة - ولم يحصلا على أي تأييد من الزملاء داخل قاعة المؤتمرات عندما رفض مناقشة الأمر. وفي الآونة الأخيرة، في المؤتمر الصحافي الذي عُقد في الثالث من يونيو (حزيران) الحالي، واجه غيبس عددا قليلا من الأسئلة المتفرقة بشأن إعلان المرشح لمجلس الشيوخ عن ولاية كولورادو أندرو رومانوف بأن مسؤولا كبيرا بالبيت الأبيض قد عرض عليه ثلاث وظائف إذا ما تخلى عن تحديه للمرشح الديمقراطي الحالي مايكل بينيت.

لقد ذهبت إلى جميع المؤتمرات الصحافية تقريبا منذ ربيع عام 2007، عندما بدأت تغطية أخبار إدارة بوش السابقة لصالح صحيفة «واشنطن تايمز»، حتى الخريف الماضي، عندما بدأت وظيفتي الحالية. أما الآن، أذهب إلى هذه المؤتمرات بين الفينة والأخرى، وأجد أن هذه المؤتمرات غير مجدية إلى حد كبير. والفائدة من عدم الذهاب إلى هناك كل يوم هي أنه عندما أذهب، لا أهتم كثيرا بتوجيه سؤال خارج عن السياق قد يتسبب في إغضاب غيبس. والجانب السلبي هو أن غيبس لم يتصل بي منذ أن انتقلت إلى وظيفتي الجديدة.

وبعد استقالة توماس، سألت عددا من الصحافيين بالبيت الأبيض بشأن ما إذا كانوا يعتقدون أن المؤتمرات الصحافية فعالة وصعبة بما فيه الكفاية على غيبس. أقر ميجور غاريت من «فوكس نيوز»، الذي يوجه إلى جانب جاك تابر من «إيه بي سي» بعض أفضل الأسئلة في هذه المؤتمرات، بأنه حتى التسرب النفطي في خليج المكسيك أصبح خبرا رئيسيا، أخفق الصحافيون بالبيت الأبيض (بما في ذلك هو شخصيا) في الغالب في الضغط على غيبس بالصورة الكافية.

وقال غاريت: «لقد كان هناك لفترة طويلة احترام غير ضروري ونوع من الحساسية واللياقة بشأن انتظار الدعوة، والالتزام بصورة صارمة بما يعد بصورة أساسية عملية مصطنعة سعى روبرت إلى تحقيقها منذ البداية». وأضاف أن ديناميكية قاعة المؤتمرات الصحافية تعمل بصورة أفضل عندما يشعر الصحافيون بالحرية في متابعة الأخبار والضغط على المتحدث الإعلامي، لكن «ذلك أمر نادر للغاية، لأي سبب من الأسباب».

وقال غاريت إن الأمور تحسنت في الأسابيع الماضية، خصوصا مع استعداد الصحافيين لتحدي تصريحات غيبس بشأن التسرب النفطي، ووافق على ذلك المراسلون الآخرون بالبيت الأبيض من الذين تحدثت إليهم.

ومع ذلك، استغل جون ستيوارت من «ذا ديلي شو»، وهو الناقد الصحافي الأكثر شعبية في أميركا، مناسبة تقاعد توماس عن العمل الأسبوع الماضي للسخرية من الأسئلة اللينة التي يوجهها الصحافيون بالبيت الأبيض للناطقين الإعلاميين. وسأل ستيوارت: «هل أنتم صحافيون، أم أنكم تقومون بتسلية ناد للفتيات؟»

وتتبنى توماس نفس هذه العقلية المعادية، وتجلى ذلك في سؤالها الأخير إلى أوباما: «سيدي الرئيس، متى ستخرجون من أفغانستان؟ لماذا تواصلون القتل والموت هناك؟ ما هو العذر الحقيقي؟ ولا تعطنا إجابات بوش، (إذا لم نذهب إلى هناك، فسيأتون جميعا إلى هنا)».

لقد كان ذلك استمرارا لأسئلتها المتواصلة إلى الرئيس جورج دبليو بوش والمتحدثين الإعلاميين في إدارته بشأن الحرب على العراق. وقامت بانتقاد بوش في مؤتمر صحافي في شهر يوليو (تموز) من عام 2007 حيث قالت: «فر مليونا عراقي من بلادهم وأصبحوا لاجئين. وتم تهجير مليونين آخرين. ولقي الآلاف والآلاف حتفهم. ألا تفهم، لقد أحضرت القاعدة إلى العراق».

واستطاع قلة من الصحافيين، إن وجدوا، الهروب من تبعات هذا النوع من اللهجة المعادية التي عرضتها توماس تجاه الرؤساء والناطقين الإعلاميين بصورة منتظمة. بل وحتى الرئيس الراحل جون كيندي قال ذات مرة مازحا إن «هيلين ستصبح فتاة لطيفة إذا ما تخلصت من هذه الورقة وهذا القلم».

وكما قال لي أحد الصحافيين بالبيت الأبيض، هناك بعض الصحافيين الذين يعملون مع أطقم المعاول، يهاجمون الإدارة بمقالات قاسية تتحدث بصورة صريحة وتتعقب الإخفاقات وأوجه القصور المحتملة، وبعد ذلك هناك أطقم التنظيف، الذين ينتقون الأنقاض الناجمة، ويفسرون، ويضعون أفعال الرئيس في السياق.

إننا نحتاج إلى كل من الفريقين. لقد كانت هيلين توماس بلا شك عضوا نشيطا بطاقم المعاول. قالت عن البيت الأبيض قبل عام: «ماذا تعتقدون أننا نكون، دُمى؟.. إنهم موظفون لدينا. إننا ندفع لهم».

* صحافي بارز بالموقع الإخباري «ديلي كولر»، وقام بتغطية أخبار إدارة بوش وإدارة أوباما لصحيفة «واشنطن تايمز».

* خدمة «واشنطن بوست».