تحاوروا في الضوء.. دعونا نفهم

TT

رغم سيل الغناء الجارف الذي ينهمر على رؤوسنا من القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة الوافدة من كل الدنيا، فإن ذلك لم يمنع العلماء حقهم في استمرار البحث حول جواز الغناء أو تحريمه، وممن تطرق لهذا الموضوع أخيرا الشيخ عادل الكلباني إمام الحرم السابق، حيث قال بجواز الغناء، فقوبل بهجوم بلغ ذروته حين طلب منه أحد الشيوخ الذين يخالفونه الرأي بأن يتوجه إلى سوق الخضراوات للعمل هناك بدلا من التكلم في الدين، وربما دفعت القسوة في النقد الشيخ الكلباني إلى أن يطرح كامل قناعاته في هذه المسألة، فلم يقل بجواز الغناء هذه المرة فحسب، بل أجازه مصحوبا بالمعازف، ففي موقعه الشخصي على الإنترنت، نشر آراءه في هذه المسألة بعنوان «تشييد البناء في إثبات حل الغناء»، أورد فيه الكثير من الشواهد والاستدلالات التي تدعم وجهة نظره، وختمها بالقول: «إن الذي أدين لله تعالى به، هو أن الغناء حلال كله، حتى مع المعازف، ولا دليل يحرمه من كتاب الله ولا من سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكل دليل من كتاب الله تعالى استدل به المحرمون لا ينهض للقول بالتحريم على القواعد التي أقروها، واعتمدوها، كذا لم يصح من سنة نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي، شيء يستطيع المرء أن يقول بأنه يحرم الغناء بآلة أو بدون آلة، وكل حديث استدل به المحرمون إما صحيح غير صريح، وإما صريح غير صحيح، ولا بد من اجتماع الصحة والصراحة لنقول بالتحريم».

وفي تقديري أن الذين يختلفون مع وجهة نظره في هذه المسألة مطالبون بمقارعة الحجة بالحجة، والفكرة بالفكرة، بدلا من التلويح بسوق «الخضار»، فالناس الذين عاشوا عقودا تحت تأثير الرأي بحرمة الغناء من حقهم أن يعرفوا أي أدلة اعتمدها المحرمون، فالغناء والموسيقى كانا ولم يزالا من بين مصادر الجدل الاجتماعي لدى البعض، خاصة في الأفراح والمناسبات المختلفة، ولعله آن الأوان لهؤلاء أن يعرفوا مرتكزات القول بالجواز، أو القول بالتحريم، ليبنوا اختياراتهم على وعي، وإدراك، وبينة، فالاتباع عن قناعة خير من الانقياد بلا بينة.

وبصرف النظر عن التوافق أو الاختلاف، فأنا أنظر إلى ما يطرحه بعض الشيوخ من آراء قابلة للاختلاف أو مثيرة للجدل كمؤشر على أننا نعيش مناخا يتسع لطرح الآراء في العلن بدلا من تراكمها في العتمة، فالفكرة المعلنة قابلة للنقد والحوار والتصويب، أما الخوف الحقيقي فيكمن فيما يلاك في العتمة.

[email protected]