يا شيعة العراق.. من يعلق الجرس؟

TT

لولا الضغط الإيراني، والشحن الطائفي غير المبرر، لما التقى الائتلافان («الوطني» و«دولة القانون»). فبؤرة الطائفية في الشرق، تعتبر الشراكة السنية الفعالة في إدارة حكم العراق من المحرمات الكبرى. بعد أن جردت السنة في إيران من أبسط حقوقهم الإنسانية، وتمارس اللعب بورقة العراق، لمتطلبات اقتصادية وأمنية وسياسية وتفاوضية وأطماع بعيدة. وإلا، هل يعقل أن يعلن عن تحالف من دون تسمية قيادته، وقبل اختيار مرشح لرئاسة الوزراء؟ فيما كان بإمكانهم إحباط توجه «العراقية» بهدوء، بعدم التصويت لها في البرلمان.

لم يعد نجاح «العراقية» في تشكيل الحكومة «مرجحا»، لوجود تصميم على حرمانها من حق أولي اكتسبته جماهيريا. وهو ما يحتم بقاء هامش الخيارات مفتوحا بين: مقاطعة جلسات البرلمان واللجوء إلى خيارات سلمية أخرى، إذا لم تتوافر شروط عادلة في فلسفة إدارة الدولة، أو القبول باستحقاقات شكلية تضطر إليها، بسبب وجود عناصر انتهازية محسوبة على العرب السنة فشلت في الانتخابات. وفي ظل هذا الواقع المعقد، لا بد على «العراقية» من التصرف بمرونة عالية. فالصراعات السلطوية الشيعية - الشيعية تتعدى كثيرا النمط السائد من السلوك.

على مستوى التحالف الوطني (الشيعي) الصوري، لا تزال المشكلات القائمة بين الائتلافين كبيرة، ولا تقل عما بينهما وبين «العراقية». ففي برنامج بثته القناة «العراقية» قبل أسبوعين، كشف عضو قيادي بارز في حزب الدعوة عن تصورات مثيرة. ومما قال «إن حساباتهم كانت مبنية على حيازة 104 مقاعد في الانتخابات الأخيرة، وليس 89 مقعدا»، وإنهم يمتلكون المؤهلات للحصول على 174 مقعدا. وهنا مربط الفرس. حيث أجرى حساباته على تجريد الائتلاف الوطني بكل مكوناته، وكذلك «العراقية»، من أي صوت شيعي. ولا بد أن قادة الائتلاف قد أخذوا الحديث كجرس إنذار عما يعنيه تمديد سلطة حزب الدعوة، وما تؤمنه السلطة من مال وتأثير على مشاعر الناس. لا سيما أن السنوات الأربع المقبلة ستكون حاسمة في رسم هيكلية الأحزاب ومستقبلها.

وإدراكا لهذه الحقائق، ينبغي على «العراقية» أن تكون على قدر كبير من المرونة في الحوار مع الائتلاف الوطني بقيادة السيد الحكيم، وفيه من المعتدلين من يمكن التفاهم معهم رغم الضغوط. وكلما أمكن التفاهم مع الائتلاف كقوة واحدة، تتاح فرص لفتح آفاق للتفاهم والتنسيق لمنع الانزلاق الطائفي، الذي يجعل التعايش الوطني مستحيلا. وقد يكون الحل في جعل رئاسة الوزراء دورية كل سنتين بين الائتلاف و«العراقية».

في الانتخابات السابقة، أخطأ الصدريون في اعتراضهم على الدكتور عادل عبد المهدي الشخصية المعتدلة، فاستُبدل به المالكي. ولولا هذا الخطأ الكبير لما حدثت مآسي السنوات الأربع الأخيرة. وهذه المرة، يبدو أن النقاشات بين فرق الائتلاف أخذت توجها قد يرجح كفة الدكتور عبد المهدي، مما يفتح الطريق لتفاهمات متوازنة. فإضعاف الائتلاف أو «العراقية» لا يخدم المستقبل. والتنافس المفرط بينهما يقود إلى اصطفاف طائفي أكثر خطورة وعمقا. «وأصبح تقاسم السلطة ضروريا» لمواجهة محاولات ترسيخ التقسيم الطائفي، الذي سلط الضوء عليه النائب البارز أسامة النجيفي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» (15/6/2010) بقوله: «بل إن دولة القانون كانت تقول نحن القائمة الشيعية الأولى والشيعة انتخبونا ولم ينتخبوا السنة! إن الحكم في العراق للشيعة ونحن الأكثرية».

وسواء وصلت السلطة إلى عبد المهدي أو علاوي أو جبر أو الجعفري، فإنهم مطالبون بتغيير قواعد السلوك في إدارة الدولة. ولا ضير في أن يأخذ السياسيون الشيعة دورهم في حل عقدة الحكم، وفق ضوابط معقولة ومنصفة «يُلتزم بها»، تبدأ بالتوقف عن ممارسة استخدام موارد الدولة وسلطاتها لتغيير التنوع الديني، والتي ظهرت خلال السنوات الأربع الأخيرة. وتحديد نشاطات الوقف الشيعي ومجالات تحركه، بما يضمن الاحترام التام للخصوصيات الخاصة، وتوزيع المال بشكل عادل، وإلغاء توزيع الوظائف على أسس طائفية، وعدم تسييس القضاء، والإنصاف في بناء أجهزة الأمن والقوات المسلحة. ولا بد من التذكرة بأن النظام السابق لم يحاول البتة تغيير المعادلات المذهبية. والدليل يؤكده سجل الممارسات والنتائج القائمة الآن.

وأي قائد يعمل صادقا بموجب هذه الضوابط لا بد أن يحتضن عربيا، بصرف النظر عن خلفيته وانتمائه، فيكون العرب له سندا تجاه الضغوط الإيرانية، ويسجل اسمه كزعيم وطني بمكانة أرفع.

فمن يعلق جرس القافلة «الوطنية» يا شيعة العراق؟